فصل في أن واجب الوجود واحد
ونقول ايضا: إن واجب الوجود يجب أن يكون ذاتا واحدة، وإلا فليكن كثرة ويكون كل واحد منها واجب الوجود، فلا يخلو إما أن يكون كل واحد منها في المعنى الذي هو حقيقته، لا يخالف الآخر البتة أو يخالفه. فإن كان لا يخالف الآخر في المعنى الذي لذاته بالذات، ويخالفه بأنه ليس هو، وهذا خلاف لا محالة، فيخالفه في غير المعنى. وذلك لأن المعنى الذي هو فيهما غير مختلف، وقد قارنه شيء به صار هذا أو في هذا، أو قارنه نفسه أنه هذا أو في هذا، ولم يقارنه هذا المقارن في الآخر، بل ما به صار ذاك ذاك، أو نفس أن ذاك ذاك، وهذا تخصيص ما قارن ذلك المعنى، وبينهما به مباينة. فإذن كل واحد منها يباين الآخر به، وليس يخالفه في نفس المعنى، فيخالفه في غير المعنى. والأشياء التي هي غير المعنى وتقارن المعنى هي الأعراض واللواحق الغير الذاتية. وهذه اللواحق فإما أن تعرض لوجود الشيء بما هو ذلك الوجود فيجب أن يتفق الكل فيه وقد فرض أنها مختلفة فيه، وهذا خلف. وإما أن تعرض له عن أسباب خارجة لا عن نفس ماهيته، فيكون لولا تلك العلة لم يختلف، فيكون لولا تلك العلة لكانت الذوات واحدة أو لم تكن، فيكون أولا تلك العلة ليس هذا بانفراده واجب الوجود، وذلك بانفراد، واجب الوجود لا من حيث الوجود، بل من حيث الأعراض، فيكون وجوب وجود كل واحد منهما الخاص به، المنفرد له، مستفادا من غيره. وقد قيل إن كل ما هو واجب الوجود بغيره فليس واجب الوجود بذاته، بل هو في حد ذاته ممكن الوجود، فتكون كل واحدة من هذه، مع أنها واجبة الوجود بذاتها، ممكنة الوجود في حد ذاتها وهذا محال. ولنفرض الآن أنه يخالفه في معنى أصلي، بعد ما يوافقه في المعنى، فلا يخلو ذلك المعنى إما أن يكون شرطا في وجوب الوجود، أو لا يكون. فإن كان شرطا في وجوب الوجود، فظاهر أنه يجب أن يتفق فيه كل ما هو واجب الوجود، وإن لم يكن شرطا في وجوب الوجود، فوجوب الوجود متقرر دونه وجوب وجود، وهو داخل عليه، عارض، مضاف إليه، بعد ما تم ذلك وجوب وجود، وقد منعنا هذا وبينا فساده. فإذن لا يجوز أن يخالفه في المعنى. بل يجب أن نزيد لهذا بيانا من وجه آخر وهو: أن انقسام معنى وجوب الوجود في الكثرة لا يخلو من وجهين: إما أن يكون على سبيل انقسامه بالفصول وإما على سبيل انقسامه بالعوارض. ثم من المعلوم أن الفصول لا تدخل في حد ما يقام مقام الجنس. فهي لا تفيد الجنس حقيقته، وإنما تفيده القوام بالفعل، وذلك كالناطق، فإن الناطق لا يفيد الحيوان معنى الحيوانية، بل يفيده القوام بالفعل ذاتا موجودة خاصة.
পৃষ্ঠা ২৩