الأمة إذا مرضت كثر كلامها عن الداء والدواء؛ كالمريض يتحدث عما به، ويستطب لمرضه، ويكثر حديثه عن دائه ودوائه وأطبائه. وإذا اعتلت الأمة فذكرت أدواءها اتهم فريق منهم فريقا بأنه أدى إلى المرض أو استشرائه، أو فرط في المداواة. بل ترى كل إنسان يذكر جنايات غيره ويفيض فيها ويغلو ، حتى يرمي قومه بالمساوئ ويقول: إنهم لا يصلحون لشيء، ويستثني نفسه فلا عيب له! وهكذا يضيع الوقت في الدعوى والتهمة والطعن والقيل والقال، «وآفة هذه الأمة عيابون طعانون يقولون لكم وتقولون.»
ولو أخذ كل إنسان نفسه بالحق وألزمها القيام بالواجب، غير ناظر إلى غيره، جاهدا أن يبرئ نفسه من الذنب، وينجيها من التبعة؛ لصلحت الأمة كلها. لو أن كل إنسان يقول: نفسي، ويشغله عيبه عن عيوب الناس؛ لم تجد لأحد عيبا إلا ما شذ.
فليتق الله كل امرئ في نفسه وأمته، وليجعل همه الدعوة إلى الخير بادئا بنفسه، وليكن ديدنه صباح مساء أداء الواجب، وتوطين النفس وحملها عليه، وسياستها باللين والشدة حتى تسلس وتنطلق في طريق الخير صالحة مصلحة.
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم .
الأحد 18 شعبان/4 يونيو
مرض أيام
لزمت الفراش أياما، فانقطعت عن العمل، فلم يكن أساي لمرضي مثل أساي لبطالتي، كأن المرض أقل ألما وأخف ضررا من التبطل. وكثيرا ما تصيبني وعكة لا تمنع القراءة والكتابة في الفراش، فأراها فرصة أعمل فيها ما أريد لوقتي، وأقضي فيها بعض ما فات من عملي، فلا أذم المرض الذي أتاح الفرصة، بل أحمد الخلوة القهرية التي أجبرتني على الفراغ، وأجبرت الناس أن يخلوا بيني وبين نفسي.
قلت إذ فكرت في هذا وما إليه: إن كانت البطالة شرا من المرض، أو شرا من بعض المرض، من هذه العلل الخفيفة التي لا تبرح بالمريض آلامها ولا تغلبه على نفسه سورتها، فكم في الناس مريض يحسب نفسه صحيحا! وكم مرت أوقات كنت فيها مريضا لا أذكر وفاتني فيها ما يفوت المريض بعضه، ولم أعرف الخسارة.
إن المرض سقم الجسم، والبطالة سقم الروح، وهو يؤدي لا محالة إلى سقم الجسم.
وتراكمت أعمال وتكدست أوراق، وتعطلت رسائل في هذه الأيام؛ أيام المرض القليلة، وفكرت في هذا وقلت: وا عجبا! نسابق الزمان شاعرين أو غير شاعرين ونغالب الأعمال في كل حين، فإن وقفنا قليلا أو بطأنا سبق الزمان فخلفنا وراءه ، وتراكمت الأعمال التي نؤديها في أوقاتها فلا نبصر كثرتها، ونسوق بعضها إثر بعض فلا نرى تزاحمها.
অজানা পৃষ্ঠা