لو سألت واحدا ممن نشئوا في جماعتنا وألفوا سنتنا، ولم يفكروا في الأمم الغابرة، ولا عرفوا غير أمتنا من الأمم الحاضرة؛ لو سألته: ما ترى في أمة ليس بها وزارة معارف؟ لأجابك: أمة لا قدر للعلم فيها، ولا خطر للتعليم عندها، أمة أحاطت بها الجهالة وحرمتها السيرة الرشيدة والعمل النافع على هذه الأرض.
ذلك بأن هذا المسئول نشأ فرأى وزارة المعارف تسيطر على مدارس كثيرة، وقد عملت للسيطرة على مدارس لم تكن لها حتى ظفرت بالسيطرة عليها فاستبدت بتصريف أمور التعليم والتعلم. ولكن التاريخ يعرفنا أن الأمم الغابرة نالت حظوظا من العلم موفورة، دون أن تهديها إلى العلم وزارة للمعارف، والحاضر يبين أن كثيرا من معاهد العلم التي تنشئ أجيالا وتربي أمما ليست في ولاية وزارة معارف، وليست هذه المدارس والجامعات التي لا يمتد عليها سلطان الحكومة أقل شأنا من نظائرها التي تتولاها الحكومة، بل هي أعظم شأنا وأجل قدرا.
كان لنا كتاتيب لو وجدت بيننا عقولا مفكرة وأيديا مدبرة تتركها وشأنها، وترقبها من بعيد، وترشدها وتعينها، لقامت بما تعجز عنه هذه المدارس الأولية دون حاجة إلى جهد وزارة المعارف وأموالها. ولو تركت المدارس الحرة على علاتها وأمدت وحرضت على المضي في سبيلها بعيدة من الحكومة، لكثرت ثم كثرت حتى قلت بجانبها مدارس الحكومة، وقام الناس بتعليم أنفسهم دون حاجة إلى هذه الجلبة التي تدوي في وزارة المعارف ومدارسها، ولكانت مدارسنا أقرب إلى التعليم والتهذيب مما نراه اليوم. إن مما يقاس به عظمة الأمم في رأيي مقدار ما تقوم به الحكومة من التعليم، ومقدار ما تقوم به جماعات من الأمة.
الجمعة 16 شعبان/2 يونيو
الأمن في البدو والحضر
يعيش أحدنا في حماية القانون والسلطان، ورعاية الشرطة والقوام على الأمن لا يخلو ليلا أو نهارا من حراس في محلته وعسس.
فلو سألت واحدا ما عسى أن يكون حالنا إن سلبنا السلطان والقوانين، والشرطة والحرس؟ لأجاب: حينئذ تقوم قيامة اللصوص والمجرمين فيسلبون الناس ويفسدون في الأرض وتختل أحوال الجماعة كلها. ولكنا نرى كثيرا من الجماعات تعيش من غير حاجة إلى سلطان قاهر، وقانون نافذ، وقضاة تحكم، وشرطة ترقب؛ والأمن فيها أعم، والأنفس والأموال أعظم حرمة، وأوفر صيانة. البدو يعيشون على سنن تكفل لكل حقه وحريته. للبدوي من نفسه حارس، ومن قبيلته حام، ومن العرف كفيل بحقوقه. وفي غير البادية تجد هذا التوازن بين الناس، والتعاون على حفظ النفس والمال أكثر أثرا من القانون. فليست هذه الشرطة وقوانين العقوبات ومحاكم الجنايات إلا ضرورة أدى إليها اعتلال الجماعات، وفساد الحضارة لا طبيعة العمران. وكلما قلت حاجة الجماعة إلى الحرس وإلى السلطان، وإلى القانون والقضاء والمحاماة، كانت أقرب إلى الإنسانية، وأعلى عقلا وخلقا؛ كما أن الجسم الذي لا يحتاج إلى طبيب ودواء أصح من الأجسام التي يعالجها الطبيب بالأدوية بين الحين والحين.
ليت الناس لا يستسلمون لعادات المجتمع ويعظمونها، ويعنون بها ويحسبونها مظهرا من تحضره وتمكنه في العلم والصناعة واستبحار العمران فيه، بل يتعهدون نظمهم بالنظر والفكر، ويحاولون أن يسيروا الجماعة على خير ما في الفطرة وأحسن ما في العقل والدين والخلق، لا على ما وجدوا وألفوا.
السبت 17 شعبان/3 يونيو
عليكم أنفسكم
অজানা পৃষ্ঠা