ثم يتبع ذلك العلم بأحكام الأفعال: وهو أن الحسن يستحق عليه المدح، والقبيح يستحق عليه الذم.
ثم يتبع ذلك علم البدايه([5]): وهو أن العشرة أكثر من الخمسة، وأن المعلوم لا يخلو من كونه موجودا أو معدوما، وأن الموجود لايخلو من كونه قديما أو محدثا، وما شابه ذلك.
ثم يتبع ذلك العلم بمقاصد العقلاء في الأمور التي تنبيء عن التعظيم وعن الاستخفاف بشرط المشاهدة، والعلم بالمواضعة، فهذا مما تختلف أحوال العقلاء فيه، في البطء في معرفته والسرعة، ولا بد من حصوله لكل عاقل، ومن لم يحصل له فهو ناقص.
ويتبع ذلك العلم بمخبر الأخبار المتواترة؛ لأن من أخبرنا عن نفسه، أنه لا يعلم صحة قول الناس إن في الدنيا مكة وخراسان، وغيرهما من البلدان، وإن محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يعلم صحة دعواه للنبوءة ومجيئه بالقرآن، ودعواه أنه معجزة له، وحجة على من خالفه، يعلم نقصان عقله ، أو كذبه في قوله، ومن ذلك الذكر للأمور القريبة العهد العظيمة، وما تقدم من أفعاله الجلية نحو تنقله في البلدان، وحفظه لما يكثر درسه من العلوم، وهذا تختلف أحوال العقلاء في بعضه في البطء والسرعة، وبه يمتاز([6]) العقل الموجب للتكليف، عن كل من كمل فيه ما تقدم ذكره، ولهذا إحتج بعض علماء أهل العدل على أهل التناسخ([7]) بأنا لو كنا في هياكل غير هذه الهياكل، وتصرفنا في الدنيا بأنواع التصرف؛ قبل هذه البنية التي نحن فيها، لذكرنا ذلك؛ إذ ذكر مثل ذلك من تمام العقول، فلما لم نذكره والحال هذه قطعنا على بطلان ما قالوه، وبمثل هذا نقطع على أن مالنا وأهلنا هم([8]) الذين نشاهدهم، وإن جاز أن يخلق الله [تعالى] مثلهم ويسترهم عنا ومن شك في ذلك استنقصنا عقله، ومن أهل العلم من جعل هذا من علم العادات، ورأينا ما ذكرنا؛ فهذه علوم إلاهية؛ لايمكن العاقل دفعها مع بقاء عقله.
পৃষ্ঠা ৫০