فأما أهل النجوم: فيضيفون السداد من الأمور، وما نسميه عقلا، إلى تأثيرات الكواكب، وسعادة الموالد في أصل الخلقة.
وأما أصحاب الطبائع: فأضافوا العقل الحاصل للعاقل أو فيه -
على حسب الخلاف في ذلك - إلى إعتدال المزاج على غاية الكمال، فحينئذ تتولد هذه القوة المميزة على قدر الإعتدال في الكمال والنقصان، وهي التي سميت عقلا.
[ذكر قول أهل الحق في بيان العقل]
والذي ذهب إليه أهل الحق من الأئمة الأعلام -عليهم أفضل السلام-، والمحصلون من علماء أهل الكلام : أن العقل مجموع علوم يحدثها الله -تعالى- في الإنسان من أول نشوئه إلى لزوم التكليف له شيئا بعد شيء فإذا كملت كمل عقله، وإن لم تكمل لم يكمل عقله، وإن لم تحصل فلا عقل له، وإن حصل بعضها دون بعض فهو ناقص العقل([4]).
فمنها: أصول لا بد من حصولها لمن أراد الحكيم، سبحانه، تكليفه.
ومنها: زيادات يختص بها من يشاء من عباده كما قال سبحانه:
{يختص برحمته من يشاء}[البقرة:105]، فلولا ذلك لم يكن للآية معنى، ولا بد من ذكرها بمشيئة الله، سبحانه وتعالى، أولا، ثم نعقبه بالدليل على صحة ما نذهب إليه فيها.
[بيان علوم العقل الموصلة إلى معرفة الله -تعالى-]
إعلم: أن أول علوم العقل التي يصح بها الوصول إلى معرفة الله -تعالى- علم الإنسان بنفسه وأحوالها؛ من كونه مشتهيا ونافرا، ومتألما وظانا، وعالما بالشيء أو جاهلا له، أو قاطعا أو مجوزا، إلى غير ذلك مما يعلمه كل عاقل من أحوال نفسه، فهذا أول ما يحصل، ثم يترتب عليه ما نذكره.
ثم بعد ذلك العلم بالمشاهدات، لأن العلم بالغير فرع على العلم بالنفس.
ثم بعد ذلك العلم بأن النفع حسن إذا تجرد عن المضار في الحال والمآل، وأن الضرر قبيح إذا تجرد عن المنافع في الحال والمآل، ويتصل بذلك العلم بأن لفعله به إختصاصا لوقوفه على دواعيه حتى يمكنه الإعتذار من قبيحه، والإزدياد من حسنه، دون فعل غيره.
পৃষ্ঠা ৪৯