ثم ذكر عليه السلام أن الحق رجع الآن إلى أهله ، وهذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله ، ونحن نتأول ذلك على غير ما تذكره الإمامية ، ونقول : إنه عليه السلام كان أولى بالأمر وأحق ، لا على وجه النص ، بل على وجه الأفضلية ، فإنه أفضل البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحق بالخلافة من جميع المسلمين ، لكنه ترك حقه لما علمه من المصلحة ، وما تفرس فيه هو والمسلمون من اضطراب الإسلام ، وانتشار الكلمة ، لحسد العرب له ، وضغنهم عليه . وجائز لمن كان أولى بشيء فتركه ثم استرجعه أن يقول : قد رجع الأمر إلى أهله .
وأما قوله : انتقل إلى منتقله ، ففيه مضاف محذوف ، تقديره : إلى موضع منتقله ، والمنتقل بفتح القاف : مصدر بمعنى الانتقال ، كقولك : لي في هذا الأمر مضطرب ، أي اضطراب ، قال :
قد كان لي مضطرب واسع . . . في الأرض ذات الطول والعرض
وتقول ما معتقدك ؟ أي ما اعتقادك . قد رجع الأمر إلى نصابه . وإلى الموضع الذي هو على الحقيقة الموضع الذي يجب أن يكون انتقاله إليه .
فإن قيل : ما معنى قوله عليه السلام : لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ؟ قيل : لا شبهة أن المنعم أعلى وأشرف من المنعم عليه ، ولا ريب أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأهله الأدنين من بني هاشم - لا سيما عليا عليه السلام - أنعموا على الخلق كافة بنعمة لا يقدر قدرها ، وهي الدعاء إلى الإسلام والهداية إليه ، فمحمد صلى الله عليه وسلم وإن كان هدى الخلق بالدعوة التي قام بها بلسانه ويده ، ونصرة الله تعالى له بملائكته وتأييده ، وهو السيد المتبوع ، والمصطفى المنتجب الواجب الطاعة ، إلا أن لعلي عليه السلام من الهداية أيضا - وإن كان ثانيا لأول ، ومصليا على إثر سابق - ما لا يجحد ، ولو لم يكن إلا جهاده بالسيف أولا وثانيا ، وما كان بين الجهادين من نشر العلوم وتفسير القرآن وإرشاد العرب إلى ما لم تكن له فاهمة ولا متصورة ، لكفى في وجوب حقه ، وسبوغ نعمته عليه السلام .
পৃষ্ঠা ৯০