وقلت لعيسى: «قل لي، كيف كانت النهاية؟»
فقال عيسى: «كان عطشان، فحملت رأسه بين يدي ولم تمض بضع دقائق حتى مات، فنهضت وتركته؛ فقد كان علي أن أؤدي أعمالي ولم يكن ثم وقت للبكاء.»
ثم قوينا سياج الزريبة وحفرنا الخنادق وراءه، ثم أمرت بدق الطبول ونفخ الأبواق وأطلقنا بضع عيارات؛ وذلك لكي يعرف الفارون أو الجرحى الذين ارتطموا في الوحل أننا قد وجدنا ملجأ قريبا منهم، وجاءنا عدد كبير من هؤلاء في النهار، وفي آخر النهار نادينا الأسماء فوجدت أن عندنا 900 رجل هم البقية المهزومة الحزينة لجيش كان يبلغ 8500 رجل، ولكننا مع ذلك رضينا بالنتيجة، ولم يبق من فرساننا وخيالتنا سوى ثلاثين، ولا بد أن العدو قد غنم عددا كبيرا من الخيول، وأن بعضها قد فر ورجع إلى دارة، كل إلى مسكنه، ولكن الذخائر كانت كثيرة لدينا لأنها تخلفت عمن قتلوا.
وعند الغروب عاد رجال الرزيفات فدهشوا إذ رأونا متحصنين مستعدين لمقابلتهم، وأرسل المادبو رجاله من البازنجر لمقاتلتنا، ولكن بعد مناوشة قصيرة رددناهم ثم خيم الظلام ووقف القتال.
وبينما أنا قاعد وأتكلم مع الضباط اقترب منا الشيخ عبد الرسول ومسلم واد كباشي وسلطان بيجو، واقترحوا علينا التقهقر من مركزنا الحاضر ونحن في جنح الظلام؛ لأنه لم يبق لنا أمل في الانتصار على العدو بعد خسارتنا الفادحة، فقلت لهم: «ترغبون في التقهقر الآن! ولكن ماذا نصنع بجرحانا؟! هل نتركهم لرحمة العدو؟!»
فخجلوا وصمتوا، فقلت لهم: «ليس اقتراحكم حسنا، لقد كنت أنا أحادث الضباط في هذا الشأن الآن ورأينا أن نبقى هنا عدة أيام، وليس أمامنا ما نخشاه سوى الجوع، ويمكننا أن نذبح الجمال المجروحة والضعيفة ونقوت بها الجنود، ثم لا بد أن نجد ما نقتات به أيضا هنا، والمؤكد أن العدو سيهاجمنا، ولكننا سنرده بسهولة؛ وبهذه الطريقة تعود الثقة إلى رجالنا بعدما فقدوها للخسارة الفادحة التي وقعت بنا. إني أعرف الرزيفات فهم لن يقعدوا هادئين يترقبوننا، وأنا واثق بأنه لا بد من الاصطدام مع المادبو والشيخ جانكو وسائر رجاله من البازنجر الذين سبق أن طردناهم إلى بحر الغزال، وسيستريح الجرحى ويتعافون قليلا فأولئك الذين ليس بهم سوى جراح طفيفة سيمشون على أقدامهم، أما من جراحهم بليغة فإننا نحملهم على خيولنا، وأظن أن اقتراحي هذا أفضل من اقتراحكم.»
وفي أثناء كلامي سمعت سلطانا يوافق على رأيي، ولم أنته من كلامي حتى أمن الجميع عليه واتفق رأينا على البقاء.
ثم تكلمت موجها كلامي إلى جميع الحاضرين وقلت: «هل تعرفون سبب هزيمتنا اليوم؟»
فأجابوا بالنفي جميعا، فقلت: «إليكم السبب، في هذا المساء وجدت بين الجرحى قائد المؤخرة حسن واد ستارات، وقد قال لي إن شرف الدين لم ينفذ تعليماتي بشأن تبديل المؤخرة كما فعلنا في الأيام السابقة، فاغتاظ الجنود النظاميون لهذا السبب، وتركوا مكانهم وانضم كل منهم إلى فرقته بدون إذن ولم يرسل مكانهم رجال جدد، وفي الوقت نفسه ترك العرب الموالون المؤخرة وانضموا إلى الجناحين، وعندما هوجم حسن واد ستارات لم يكن معه من الرجال سوى 250 من البازنجر لا يحملون سوى البنادق القديمة، وقد دفع شرف الدين ثمن إهماله حياته ووقعت بنا الخسارة جميعا، وليس هذا وقت التلاوم فلنفكر في شيء آخر، اذهبوا إلى رجالكم وشجعوهم ثم ناموا حتى تصبحوا مستعدين لما يأتي به الغد، ولكن أنت يا سيد أغا فولة لا يمكنك أن تنام للجرح الذي بك؛ ولذلك سنضع لك عنجريبا قريبا من باب الزريبة، وإذا حاول أحد أن يخرج بدون إذني فاضربه بالرصاص.»
فانفضوا من حولي وصرت وحدي، فطفقت أفكر في موقفنا وأتدبر، ورأيت أن من المرجح أن نتمكن من التقهقر إلى دارة وكان لدينا أكثر من 800 بندقية، ولكن شعرت بمرارة الخسارة الماضية؛ فقد قتل أحسن ضباطنا وخشيت أن يبلغ نبأ هزيمتنا دارة فيكون له أسوأ أثر في رجال الحكومة والأهالي معا، فأيقظت الكاتب وأمرته بأن يكتب خطابين قصيرين؛ أحدهما لزوجال والآخر للحكمدار محمد فرج، وأخبرتهما بأنه على الرغم من خسارتنا الكبيرة فإن حالتنا حسنة، وإننا نرجو أن نرجع إلى دارة بعد أسبوعين.
অজানা পৃষ্ঠা