ولما رأى أن لابنه علاقات مع آخرين، سرعان ما جعله يسكن في منزل داخل السور بجوار منزله ليشدد عليه الرقابة.
وقد زوج بنته لابن المهدي «محمد»، وكان محمد هذا غير راغب في هذا الزواج؛ لأنه لا يحب ابنة الخليفة مطلقا، وكان يرغب في الزواج بقريبة له، إلا أن الخليفة عبد الله - وهو صاحب الحول والقوة وولي أمره والرقيب عليه - أرغمه على ألا يتزوج بمن يريد، فتزوج بابنة الخليفة مرغما وعاشا عيشة مرة.
وكان للخليفة ما يقرب من 400 امرأة، وبحكم الشرع كان من بينهن أربع زوجات شرعيات، والباقيات كن من بنات القبائل التي أرغمت على اتباع المهدي؛ أي بمعنى آخر أسيرات. وكان كلما أحب واحدة وأراد الاقتران بها اقترانا شرعيا، طلق واحدة من زوجاته الشرعيات ليستبدلها بمن يريد. وقد جمع في زوجاته بين البيض والسود، وقد قسمهن إلى أقسام، بعضها مكون من 15 والبعض من 20، يرأس كلا من هذه الأقسام رئيسة، وكل قسمين أو ثلاثة أقسام منها تحت إشراف سيدة الأحرار المحظيات عند الخليفة، وكان يمنحهن حبا ونقودا وهبات أخرى تمكنهن من قضاء حاجاتهن، ويعطيهن أيضا الملابس بنسبة جمال وأخلاق ومركز كل منهن عنده، وتتكون تلك الملابس عادة من نسيج قطني يصنع في البلاد السودانية ملون الحواشي، أو من حرير لامع وشيلان صوف مستوردة من مصر، وكان هو نفسه الذي يباشر توزيع هذه الأشياء عليهن، وفي بعض الأحيان يوزعها أغاه الخاص.
ولما كانت المجوهرات الفضية قد حرمها المهدي، كن يتزين عادة بالخرز والصدف، وكن يضفرن شعورهن. إلا أنه في الأيام الأخيرة لبست زوجات العظماء حليا من ذهب وفضة، ولبست زوجة الخليفة الأصلية أكثر ما يتصوره إنسان من حلي.
وكان يشرف على حالة نسائه الصحية نسوة مخصوصات لا يتأخرن عن إخطاره بكل ما يحدث من الإصابات.
ولما كان يريد اختيار واحدة منهن ليجتمع بها، كان يستعرضهن جميعا ويختار منهن من يشاء. وكان لا يختلط بنسائه إلا أغواته ولا يحرسهن إلا الملازمون السود، وقلما كان يسمح لواحدة منهن أن تتصل بأي كائن كان من أهلها أو أقاربها، وقد تمضي السنة دون أن ترى الواحدة أي فرد من عائلتها.
وكان اسم زوجته الأولى «سارة»، وهي من قبيلته، شاركته السراء والضراء، وهي أم أولاده عثمان وخديجة. ومع أنها أصبحت زوجة الخليفة الآن، إلا أنها كانت تحافظ على مظاهرها وعاداتها الأصلية، فكانت تعمل بنفسها أو تحت إشرافها طعامهم البسيط المكون من العصيدة وبعض الفراخ. ولما أراد الخليفة أن يترقى في معيشته واطلع على أنواع الطعام المصري وأصناف المأكولات التركية، وأراد إدخالها في مطبخه؛ تسبب عن ذلك شقاق بينه وبين زوجته، كان سيقضي حتما إلى فراقهما لولا تداخل يعقوب وبعض أفراد أسرته.
وكان عنده أغا رئيس يسمى «عبد القيوم»، وكان هذا هو المشرف على تمدين بيت الخليفة، ويتناول من بيت المال المصاريف اللازمة ويتولى صرفها. كما كان تحت يديه الهدايا التي كان يقدمها الخليفة لمن يشاء، يساعده في أداء هذه المهام رهط من الكتبة والمساعدين تحت إمرته، كلهم أغوات؛ حيث إن الخليفة - كما قدمت - ما كان يسمح لغير الأغوات بالدنو من منزله.
وأما لباس الخليفة فكان عبارة عن الجبة البيضاء وعلى رأسه عمامة من حرير وعلى كتفه حرام، وكان يلبس في رجليه في أول الأمر صندلا، إلا أنه غير ذلك بعد قليل واستبدله بلبس «بلغة» صفراء. وكان دائما يحمل في يده اليسرى عندما يسير سيفا وفي يده اليمنى حربة يتوكأ عليها كأنها عصا، ويتبعه في سيره 12 صبيا خدما خصوصيين له، جلهم من الأحباش الذين أسرهم أبو أنجة وزكي طومال، وكان واجبهم أن يكونوا دائما على مقربة منه ليكونوا رسله عندما يرى أي شيء. ولما يبلغ الواحد منهم السابعة عشرة من عمره، يترك خدمة الخليفة الخصوصية ويندمج في حرس الخليفة النظامي، ويحل محله آخر من الصبيان.
وكان الخليفة يعتقد أنه باستخدام صغار السن يكون دائما في مأمن من إذاعة أسراره، وبطبيعة الحال لا يخطئه واحد مطلقا في رأيه هذا.
অজানা পৃষ্ঠা