الباب الثاني في التوحيد والتشبيه
فكرت وقلت : مدار هذا الأمر على التوحيد وبذلك باينت هذه الفرقة سائر الفرق وهذا الدين سائر الأديان , وعلمت أن مما اجمعوا عليه وعلم من دين الرسول _صلى الله عليه وآله وسلم _ ضرورة أن الله تعالى واحد لا ثاني له ولا شبه له ولا مثل له , وأني إن ألقيت إليهم خلاف ذلك لا يقبلونه , فدبرت وأتيتهم من خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم كما وعدت , وقلت : لابد لهذا الأمر من تحصيل ولهذه الجملة من تفصيل . ألقيت إليهم التثنية والتثليث معنى وإن خالف لفظا , وقلت : إن مع الله قدماء : قدرة قديمة وعلم قديم وحياة قديمة حتى ألقيت أن القدماء تسعة وأكثر .
فقبلتم عني أحسن قبول وصنفتم فيه الكتب ودرستم بذلك في المدارس وناظرتم فيه بالمجالس . غير هؤلاء المعتزلة من الجن والأنس فإنهم آبوا اشد الإباء وقابلوني بالعداوة والبغضاء , وقالوا : هذا موافقة للمانوية في التثنية وللنصارى في التثليث , وللطبائعية في قدم الطبائع الأربعة , وللمنجمين في القول قدم الكواكب السبعة . وإنما الدين القويم بأن الله واحد قديم وما سواه محدث فهذا موافقة جمل دين المسلمين وما أتى به خاتم النبيين . وزاد شيخنا أبو عبد الله بن الكرام حتى عد قدماء كثيرة وسماها أعراضا وأغيارا . فكفرهم المعتزلة بذلك , وذكروا في ذلك حججا وتلوا : { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا اله واحد } وذكروا أن نصرانيا كان يناظر بالكلام في الكلام , فإذا أتاه مجبر قال : أليس أن الله خلق في الكفر وأنا لا اقدر على تركه ؟ فيقول : نعم , فيقول : فما معنى مناظرتك لي ؟ وإذا أتاه مشبه قال : أنت يا أخي زدت علي ! فإني قلت ثالث ثلاثة وأنت تقول رابع أربعة وخامس خمسة وتاسع تسعة , وإذا جاء المعتزلة قال : خذ السلاح وآخذه فالقتال بيني وبينك .
পৃষ্ঠা ১৬