حواسّهم من الماديّات والطبيعيّات، فظلّوا من أجل ذلك عاكفين على عبادة الأصنام الّتي شيّدوها وأقاموا عليها المعابد وتغالوا في بنائها وزخرفها إلى حدّ يدهش العقول:
إنّ الهياكلَ وهيَ رأيٌ فاسدٌ ... فيها دَلائلُ قدرةِ العمّالِ
تُلقي عَليك دُروسَ تاريخ الأُلى ... شادوا القِلاعَ بِأضخمِ الأثقالِ
تُعطيكَ مِنها للعقولِ وَللهوى ... مَثلًا يَسيرُ لآخرِ الأجيالِ
قالوا التناقضُ يَستحيلُ وجودهُ ... وَبِها رَأيتُ تناقضَ الأمثالِ
ظلم الحكومات في الزمن القديم
خرجنا من القلعة ووقفنا نتزوّد منها النظرة الأخيرة وعندئذ ما كان أشدّ حركتها في سكونها وأعظم فصاحتها في سكوتها، إذ كان يخيّل إلينا أنّ أصواتًا خافتة كأنّها لا تزال خائفة تتصاعد من خلال الأبنية الفخيمة، ومن تحت قواعد الأعمدة الجسيمة والهياكل العظيمة، قائلة: انظروا إلى ما بقي من هذه المباني العالية، ثمّ إلى تلك الأطلال البالية تعلّموا كيف كان مقدار قسوة الحكّام وظلمهم في العصور الخالية.
حَمَلنا فوقَ أظهُرِنا جبالًا ... وَشيّدنا بِها حِصنًا حَصينا
يَقومُ مَدى الزمان أدلّ شيءٍ ... عَلى ظلمِ الملوكِ السابقينا
وَيشهد أنّنا عِشنا عَبيدًا ... وَقاسَينا العَذابَ بِه سِنينا
نعم وهل كان يرتاب أحد في أنّ هؤلاء العمال كانوا يساقون إلى جرّ الأثقال من
1 / 100