لَم تَفهمِ الأفكار قَصد بنائِها ... فَتَشتّتت يا حيرةَ الأفكارِ
انظر إلي وَأَنت تَعلم أنّه ... عندَ الجنوبِ مقالعُ الأحجارِ
نعم، ما كدنا نفرغ من زيارتها حتّى كنّا قد اقتنعنا بمهارة القدماء واقتدارهم في فنون العمارات والصناعات، خصوصًا في الرسم والتصوير. فقد رأينا لهم نقوشًا حفرية في الأحجار الصلبة والصخور الصلدة من صور متنوعة وأشكال متعددة، كان في ضمنها من صور الأشجار والأغصان المورقة البديعة ما يمثّل في تعاريجه بأدقّ صنعة وجه الأسد. ورأينا كذلك رسومات من أكاليل الزهر والحيوانات أبدع ما خطّته يد أبرع المصوّرين وأحسن ما جرى به قلم أصنع الرسّامين، إلى غير ذلك مما لا يزال واضحًا ثابتًا يكاد ينطق بما كان لهم من البراعة الفائقة في تلك الفنون الجميلة.
نبذة من أخلاق المتقدّمين وعوائدهم
قد كنّا أطلنا التأمّل في هياكل القلعة وتماثيلها، فلم ندعها حتّى تلقينا عنها درسًا طويلًا في أخلاق الحكّام السابقين وعقائدهم وشيء من تقاليدهم وعوائدهم، فعرفنا لهم من الخرافات الكثيرة والآراء الفاسدة ما ليس يتّفق بحال من الأحوال هو وما كان يقتضيه علمهم الواسع واِقتدارهم الكبير، حيث كانوا يقطعون من الجبال حجارة ويصوّرونها بأيديهم هياكل وتماثيل ثمّ يقيمونها ويعبدونها ويتقرّبون إليها
ببذل أنفس ما لديهم من الأموال والأرواح. ثمّ إنهم كانوا يسمّون كلّ هيكل باسم مخصوص، وفي الغالب يكون هذا الاسم بما يرتبط بنفس ماله الهيكل من الموجودات على حسب زعمهم الغريب. فهم يسمّون سيرس مثلًا بإلهة الزرع لأنّهم يعتقدون أنّ لها تأثيرًا فيه، كما أنّهم يسمّون الزهرة بإلهة العشق وباكيس بإله الخمر، وهلمّ جرّا. ولعلّ ذلك لأنّهم كانوا لم يفكروا فيما وراء المادة ولم يوفقوا إلى البحث فيما يهديهم إلى العقائد السليمة والأفكار القويمة بل قصروا أنظارهم على ما كانت تتناوله
1 / 99