وليس لنا أن نفيض في وصفه ولا أن نطيل بذكر تاريخه بعد أن امتلأت بطون التواريخ بقصصه الطويلة وشرح أعماله الجليلة الّتي شهدت بها الناس جميعًا حتّى أعداؤه ومبغضوه.
ومَليحة شَهدت لَها ضرّاتُها ... وَالفضلُ ما شَهدت بِه الأعداءُ
ولكن لا بأس أن نورد في رحلتنا نبذة من تاريخه العطري تبركًا بذكره الفخيم وتيمّنًا باِسمه الكريم.
هو السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن نجم الدين أيّوب. ولد ﵀ في تكريت سنة ٥٣٢ من الهجرة، وقدم به أبوه إلى دمشق وهو رضيع فنشأ في حجره، وكان أبوه إذ ذاك مستعملًا على بعلبك. ولمّا ترعرع صلاح الدين، أرسله المرحوم السلطان نور الدين الشهيد مع أمراء جيشه للحرب في مصر فأبلى فيها بلاءً حسنًا وأظهر من الشجاعة والبراعة ما أكبره وسما في أعين الناس، ثمّ عاد إلى دمشق وأقام إلى أن أغار الصليبيون على مصر وكادوا يستولون عليها وكانت وقتئذٍ بيد الفاطميين فطلب نور الدين إليه أن يذهب إلى مصر مع عمّه شيركوه فأجاب عن اِرتياح ونكل بالفاطميين وقطع خطبتهم وصار من هذا الحين نائبًا في مصر إلى أن مات السلطان نور الدين فاِستقل هو بحكمها ومن ذلك العهد أخذ يفتح البلاد فتوحاته الكثيرة حتّى مات في مدينة دمشق في يوم ٢٧ صفر سنة ٥٨٨ وكان عمره لا يتجاوز ٥٧ سنة وكان ﵀ غاية في الجود والكرم حتّى قيل أنه لم يترك بعد وفاته سوى ٤٧ درهمًا وهي ثروة ربّما ترك السائل لأولاده أضعاف أضعافها ولكنّه البذل والسخاء والحنان والشفقة على المساكين والفقراء تستنفد المال ولو كان مثل الجبال.
دخلنا قبّة هذا الملك وهي بجانب الجامع الأموي من جهة الشمال ورأينا حال دخولنا حديقة لا تزيد عن خمسة أمتار طولًا في مثلها عرضًا، وهنا أخذتني هزّة عندما رأيت صلاح الدين صاحب الحروب الصليبية والّذي أخضع الجبابرة وأسر القياصرة والّذي كان يضيق بهمّته الشمّاء فضاء ما بين الأرض والسماء ينتهي أمره بسكنى هذا المكان الضيق وتكون حديقته أمتارًا معدودة يوجد في مقابر البسطاء من
1 / 78