إهداء عالم
فرغنا من زيارة المسجد الأموي وعندما كنت مسرعًا في الخروج منه تقدّم نحوي شيخ يناولني كتابًا على غير معرفة، وقد حسبت أنّه من فقراء المساجد جاء يلتمس منّا صدقة، فأمرت له بجنيه وأخذت منه الكتاب، وأنا لا أزال مسرع السير حيث كان مقصدي زيارة قبر المرحوم صلاح الدين الأيوبي، قبل أن ندخل في وقت الظهر. ولكنّي عرفت أخيرًا أنّ ذلك الشيخ الّذي أهدى إليّ كتابه هو شيخ الجامع
الأموي نفسه. وعندئذٍ أسفت كثيرًا لأنّي لم أقابله بما كان يستحقّه من الاحترام لشخصه ويقتضيه من الشكر لهديّته، لا سيّما والكتاب مخطوط قديم التاريخ نبيل الموضوع، إذ فيه ذكر فضائل مصر وعجائبها من القرآن والحديث وآثار السلف، وفيه أيضًا مسائل كثيرة في جغرافيتها الاقتصادية. وإنّما عرفت وظيفة هذا الأستاذ حينما تصفّحت الكتاب فرأيت عنوانه مكتوبًا بخطّ يده على أوّل صحيفة منه، تحت ما كتبه من عبارات الإهداء الّتي تدلّ على أدب ذلك الرجل وتواضعه. وأنه وإن فاتنا أن نشكر له ذلك في وجهه فإنّه لم يفتنا أن نسطّره في رحلتنا، وذلك أبلغ في معنى الشكر والثناء.
صلاح الدين الأيوبي
من هو صلاح الدين الّذي قصدنا إلى زيارة قبره، إنّي أعتقد قطعًا أنّه ليس على وجه الأرض أحد إلا وهو يفهم قدر هذا البطل الكبير والفاتح الشهير كما يفهم وجود نفسه. كيف لا وهو الّذي طبق صيته الخافقين، وبلغت شهرته الّتي لم يسمح في غابر التاريخ ولا حاضره بمثلها لأحد من الملوك والسلاطين ولا غيرهم من العالمين. ولولا أنّي لا أحكم على الغيب ولا أتنبأ بالمستقبل لقطعت بأن الزمان لم يعد يسمح بنظيره.
حَلَفَ الزّمانُ ليأتينّ بِمثلهِ ... إنّ الزّمانَ بِمثلهِ لَبخيلُ
1 / 77