أن نكتب في جريدته شكايتنا واِنتقادنا تلك الحالة الغريبة الّتي اِستنكر حصولها هذا الرجل، فشكرنا له معروفه وأجبناه بأنّه ليس لنا شكاية من شيء، ولا نريد أيضًا أن ننتقد عمل الحكومة على كلّ حال. وحسبنا من كلّ ما نطلب منكم ما وجدناه من محبّتكم لنا وشعوركم الجميل نحونا. ثمّ بارحنا تلك السراي قافلين إلى الفندق، فلمّا وصلنا
إليه رأينا علمًا عثمانيًّا مرفوعًا في داخله على السلّم الضيق فسألت صاحبه (وهو الخواجا بيترو وكان رجلًا كبير السن يميل كثيرًا إلى مصر حيث كان يتاجر فيها حينما كان شابًّا): لماذا رفع هنا هذا العلم العثماني؟ فأجابني بأنّ العادة المتّبعة في جميع جهات الدنيا أنّه عندما ينزل ضيف كريم في أي فندق من الفنادق يرفع له علم الحكومة التابع هو لها إجلالًا له واِحتفالًا بقدومه، فقلت له: هذا العلم يرفع عادة على باب الفندق من الخارج فلماذا كان مرفوعًا من الداخل؟ فقال: نعم كان يجب رفع العلم خارج الفندق، غير أن أصحاب الأمر والنهي في البلد قد أبوا عليّ ذلك ومنعوني منه. فما أمكن لي أن أؤدي ذلك الواجب إلا برفعه حيث ترون، وإنّي لشديد الأسف من تلك الظروف الّتي عاكستني حتّى لم أتمكّن من نصب العلم على باب الفندق إشعارًا بوجود مثل دولتكم فيه.
لعلّ القارئ يأخذ عليّ شيئًا من الملاحظات على بعض رجال الحكم والإدارة في حكومة الشام. ولست أنكر أنّ ذلك يكاد يكون بارزًا يلمس باليد من خلال سطور بعض المقالات في رحلة دمشق، ولكنّه ما جاء مقصودًا ولا مرادًا به أي شيء، وإنّما جاء عفوًا في ما تستدعيه الرحلة من ذكر كلّ ما يرى الراحل ضرورة ذكره. وإذا كان من الضروري أن أبين كيف كان اِستقبالي في كلّ مدينة أو بلد أنزل فيها أو أمر بها لا جرم كان وصف اِستقبالي في أكبر مدن الشام وأعظم عواصمها منتظرًا في رحلتي قبل كلّ شيء، كما أنّه ضروري على كلّ حال، خصوصًا بعدما تحدّث به المتحدّثون وكتب فيه الكاتبون.
قد ذكرت في غضون هذه الرحلة ما كنت لاقيته من أولئك الكرام المساميح أهل بيروت وأهل الجبل حكّامًا وغير حكّام، وما كان من لطفهم وأدبهم واِعتنائهم بضيوفهم، ممّا مرّ على القارئ بيانه من وقت أن كنّا في ميناء بيروت إلى أن نزلنا في محطّة دمشق، وأنّه ما فاتنا والحمد لله أن نشكر لهم معاملتهم لنا وحسن
صنيعهم
1 / 67