حضورنا إلى ذلك البلد مصبوغًا بصبغة رسمية. أمّا نحن فبعد أن شكرنا له هذه الزيارة الّتي تبرّع بها من عنده قلنا له إننا حقيقة لم نجئ إلى بلدكم بصيغة رسمية وكذلك كان غير رسمي كلّ سفرنا في جميع البلاد الّتي قصدنا إليها في هذه الرحلة. على أنّه ليس لنا أن نسافر إلى دمشق أو غيرها سفرًا رسميًا، وأنّه لا يجهل كلانا أنّ الأسفار الرسميّة إنّما تكون للأجانب أو لمن كانت تنفذه الحكومة من قبلها لمباشرة أعمالها ومصالحها. كما أنّنا نعرف تمامًا أن كلّ الّذي كان يعمل من أجلنا في الاستقبالات من الاجتماعات والمظاهرات الأخرى إنّما كان من محض تبرّعات الحكام وأعيان البلاد. أمّا نحن فلم نأسف لأنّ اِستقبالنا منكم كان بسيطًا إلى الحدّ الّذي لا تجهله وأنّه كان هناك شيء يستدعي
أسفنا فليس إلا أنّه لم يرسل لاستقبالنا على المحطّة من كان يناسب حالنا ويلتئم مع تبعتنا. ولقد كان يرضينا ويسرّنا أيضًا أن نجد في اِنتظارنا ولو أحد الضباط، بدلًا من ذلك الّذي قابلنا وكانت وظيفته مدير الأمور الأجنبية، إذ أنّي لست أجنبيًا من تلك البلاد إذ هي بلاد الشرق، وأنا شرقي محض. وقد كنت أحسب أنّي عثماني تابع لدولة العثمانيّين. هذا كان خلاصة حديثنا مع الوالي وقد شرب القهوة وقام. أمّا نحن فما لبثنا بعده إلا قليلًا ريثما اِرتدينا ملابسنا المعتادة في الزيارات، ثمّ ذهبنا لا نلوي على شيء حتّى وصلنا إلى سراي الحكومة حيث نرد للوالي زيارته وسلامه. وقد رأينا السراي جميلة المنظر جدًّا، وربّما كانت أحسن مباني المدينة عمارة وأنضرها بقعة، لأنّها واقعة بجوار نهر بردى. وكنّا نظن أنّه يوجد في تلك السراي مثل ما يوجد في سرايات الحكومات من الناس والمستخدمين، ولكنّنا مذ دخلنا فيها لم نقابل سوى ثلاثة عساكر فسألناهم: هل هنا دولة الوالي؟ فقالوا: دولة الوالي ليس موجودًا هنا. فقلنا: أليس أحد من كبار المستخدمين أو السكرتارية هنا أيضًا؟ فأجابوا: ليس أحد هنا من هؤلاء جميعا. ً فبدا لنا أن نترك مع أحدهم بطاقة الزيارة ليعرف الوالي أنّنا رددنا تحيّته. وهناك ذهبت منّا اِلتفاته على سلّم السراي، فرأينا عليه إنسانًا عرفنا بعد أنّه من أعيان البلد وأصحاب الجرائد فيها، وقد قرأنا في وجهه آية الأسف الشديد ممّا كان رآه من حال الاِستقبال والوداع في دار الحكومة، عندما دخلناها وخرجنا منها، وحينما سألنا العسكر سؤالنا وأجابونا جوابهم. ولهذا خفّ الرجل إلينا خفّة الطائر، وسألنا عمّا إذا كنّا نستحسن
1 / 66