للوالدين (1) في كل ما يجب لهم بالطبيعة والذات ، لا فيما يجب من ذلك بالأعراض المحدثات.
ولو كان عيسى صلى الله عليه كما قالوا ربا وإلها ، وعن أنه لله عبد أو صنع معظما في ذاته (2) منزها ، لكان لأمه من ذلك ما له ، إذ كانت في الذات مثله ، بل لكان ينبغي لمن ولده أن يكون أعلى من ذلك منزلة منه ، إذ كان وجوده صلى الله عليه به وعنه.
وليس أحد من النصارى يثبت لمريم ما يثبت لابنها من الإلهية ، بل كلهم يقول : إنها أمة من إماء الله محدثة غير قديمة ولا أزلية ، وقد يلزمهم صاغرين فيها ، من إضافة الإلهية إليها ، ما قال الله تبارك وتعالى فيهما ، إذ الحكم واقع بالاشتباه (3) في الذات عليهما ، فهي في ذلك كله كولدها ، إذ روحه من روحها وجسده من جسدها.
فإن لم يكن ذلك ، فيهما كذلك ، زالت البنوة عنه منها ، وزال أن تكون له أما عنها ، فلم تكن له أما ولم يكن لها ابنا ، إذ لم تكن إلا موضعا له ومكانا ، إلا أن يجعلوا الأماكن أمهات لما كان فيها ، فيقع ما قالوا من أنها أم له عليها.
فأما إن جعلوها (4) من طريق ما يعقل أما له ، فقد جعلوها في الطبيعة لا محالة مثله.
وإذا كان ذلك ، فيهما كذلك ، جعلوه صاغرين كأمه إنسانا لا ربا ولا إلها ، وكان الناس كلهم إذ هو مثلهم في ذلك له أمثالا وأشباها ، لا افتراق بينه وبينهم في الإنسية ، ولا تفاوت بينه وبين جميعهم في الجنسية ، ولذلك كان يطعم صلى الله عليه كما يطعمون ، ويألم مما يؤلمهم كما يألمون ، ويقيمهم كما يقيمهم الشراب والطعام ، ويعرض له الحزن والغموم والاهتمام.
والنصارى كلها فقد تقر بطعمه وحزنه واغتمامه ، وتحمده بما كان من صبره
পৃষ্ঠা ৩৯২