الرد على النصارى
পৃষ্ঠা ৩৮৭
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال ، وله الكبرياء بديا والجلال ، البري من كل تغير وزوال ، وتبدل وحركة وانتقال ، أو فناء أو احتيال ، المتعالي عن أن يكون لشيء أصلا متأصلا ، أو عنصرا من عناصر الأشياء كلها متحللا ، فيكون كواحد منها ، أو كما بان من فروعها عنها ، فكثر من قلته بتفرع بعد قلة ، أو عز بكثرته بتجمع من ذلة ، ولو أن ذلك ، كان فيه كذلك ، لعاد غيره له ندا ومثلا ، إذ كان له سبحانه محتدا (1) وأصلا ، ولكان حينئذ لكل ما كان منه ، ووجد من فروعه وعنه ، ما كان من التوالد له ، إذ كان المتولد منه مثله.
[مشابهة الفروع للأصول]
وكذلك يوجد لكل فرع كان من أصل ، ما يوجد لأصله من التوالد مثلا بمثل ، كفرع ما يرى من الأشياء كلها ، التي تتولد يقينا عيانا من نسلها ، مثل ما يتولد غير مرية من أصلها ، كما يرى من ولادة الأبناء ، لمثل ما يتولد من الآباء ، سواء ذلك كله سواء.
وكذلك ما يرى من متولد الشجر وغير الشجر ، فكالأنثى في ذلك أجمع والذكر ، يتولد في ذلك كله من أولاده (2)، ما يتولد سواء من والده ، فكل شيء أبدا كان ممكنا في أصل ووالد كون وجوده ، فمثله ممكن سواء في نسله ومولوده ، لا يمتنع مما قلنا به في ذلك وقبوله ، إلا مكابر في ذلك لعلمه ومعقوله. ولذلك وما فيه من الامكان ، وما يدخل به على أهله من النقصان ، ما تقدس الله عنه ، وجل وتطهر منه ، فلم تمكن فيه منه سبحانه ممكنة في فكر ولا مقال ، وكان القول عليه جل جلاله بذلك أحول محال ، إذ في أن يكون شيء له ولدا ، وأن يكون لشيء أصلا ومحتدا ، إبطال الإلهية والربوبية ،
পৃষ্ঠা ৩৮৯
وزوال الأزلية والوحدانية ، وإذ لا يكون واحدا من كان له ولد أبدا ، ولا يكون أزليا من كان أبا أو والدا ، (1) لأن الابن ليس لأبيه برب ، وكذلك الرب فليس لمربوب بأب ، إذ كان الابن في الذات هو مثله فكلاهما من الربوبية قاص متبعد ، إذ ليس منهما من هو بها متفرد متوحد. لأن الربوبية لا تمكن أبدا إلا لواحد ، ليس بأصل لشيء ولا ولد ولا والد.
ولكل ولد في (2) ذاته ، ما للوالد من صفاته ، وكذلك والده فله في الذات ، مثل ما للولد في ذلك من الصفات ، كالانسانية التي للابن منها ما لأمه وأبيه ، وفي الأبوين منها ومن كمالها مثل ما فيه ، فليس له من الانسانية وحدودها ، ولا مما يوجد فيه وفيهما من موجودها ، أكثر مما لهما منها ، وكل واحد منهما فغير مقصر عنها ، ولتمامهما جميعا فيها ، وفطرة الله لهما عليها ، كان الابن ولدا لهما ونسلا ، وكانا له بها محتدا وأصلا ، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه ، لعيسى صلوات الله عليه ورضوانه ، فيما نزل من الكتاب ، في يوم البعث والحساب ، توقيفا وتعريفا له وللعباد ، على أنه قد يجب للوالد في الذات ما يجب للأولاد ، وتوبيخا لمن أفرده دون أمه في العبودية والإلهية ، وحالهما في الذات حال واحدة مستوية ، فعبدوه عماية وجهلا دونها ، وهم يعلمون أنه ابنها ومنها ، ويوقنون فلا يشكون أن أباها أبوه ، فهي وآباؤها أولى منه بما أعطوه ، إذ كان لو لا وجودهم لم يوجد ، ولو لا ولادتهم له لم يولد.
فكيف يعبدونه دونهم ، ولم يكن قط إلا منهم ، فهو في الذات كهم ، إلا أن يفرقوا بينه وبينهم ، بحال يخصونه بها دونهم ، أو بغير ذلك من فعل من الأفعال ، هو سوى ما يجمعهم وإياه في الذات من الحال ، فكيف وذلك غير قولهم ، وما يبنون عليه من أصلهم.
[عيسى بشر]
فاسمعوا لقول الله في ذلك وبيانه ، وما بين فيه جل جلاله من تفصيله وفرقانه ، إذ
পৃষ্ঠা ৩৯০
يقول له صلى الله عليه ، في ذلك من غير ما سخطة منه عليه ولا لوم فيه (1) : ( يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب (116)) [المائدة : 116] ، فسبح الله جل جلاله إكبارا له عن أن يقول في ذلك على الله علام ما كان وما يكون بقول إفك مفتر مكذوب ، لا يصح فيه أبدا قول في فطرة ، ولا يقوم في سليم عقل ولا فكرة.
وقال صلى الله عليه : ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد (117)) [المائدة : 117] ، فأنبأهم صلى الله عليه أنه عبد الله (2) كما هم كلهم جميعا عبيد ، (3) وأخبر الله سبحانه من قوله في ذلك بما لا تنكره النصارى كلها وإن اختلفت في أديانها ، وفرقتها البلدان في كل مفترق من أوطانها ، لما رأوا منه عيانا ، وأيقنه من غاب منهم إيقانا ، من عبادته عليه السلام لله واجتهاده في طاعة الله ، وكان في ما عاينوا (4) من مشابهته لهم في الخلقة دليل مبين على أنه عبد الله ، يجري عليه من حكم الله في أنه عبد لله ما جرى عليهم ، بما (5) بان من أثر تدبير الله وصنعه فيه وفيهم.
وفيما قلنا من ذلك ومثله ، في أن (6) الفرع من الشيء له ما لأصله ، ما يقول الله سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين (81)) [الزخرف : 74]. يخبر جل جلاله عن أنه قد يجب للولد ما يجب
পৃষ্ঠা ৩৯১
للوالدين (1) في كل ما يجب لهم بالطبيعة والذات ، لا فيما يجب من ذلك بالأعراض المحدثات.
ولو كان عيسى صلى الله عليه كما قالوا ربا وإلها ، وعن أنه لله عبد أو صنع معظما في ذاته (2) منزها ، لكان لأمه من ذلك ما له ، إذ كانت في الذات مثله ، بل لكان ينبغي لمن ولده أن يكون أعلى من ذلك منزلة منه ، إذ كان وجوده صلى الله عليه به وعنه.
وليس أحد من النصارى يثبت لمريم ما يثبت لابنها من الإلهية ، بل كلهم يقول : إنها أمة من إماء الله محدثة غير قديمة ولا أزلية ، وقد يلزمهم صاغرين فيها ، من إضافة الإلهية إليها ، ما قال الله تبارك وتعالى فيهما ، إذ الحكم واقع بالاشتباه (3) في الذات عليهما ، فهي في ذلك كله كولدها ، إذ روحه من روحها وجسده من جسدها.
فإن لم يكن ذلك ، فيهما كذلك ، زالت البنوة عنه منها ، وزال أن تكون له أما عنها ، فلم تكن له أما ولم يكن لها ابنا ، إذ لم تكن إلا موضعا له ومكانا ، إلا أن يجعلوا الأماكن أمهات لما كان فيها ، فيقع ما قالوا من أنها أم له عليها.
فأما إن جعلوها (4) من طريق ما يعقل أما له ، فقد جعلوها في الطبيعة لا محالة مثله.
وإذا كان ذلك ، فيهما كذلك ، جعلوه صاغرين كأمه إنسانا لا ربا ولا إلها ، وكان الناس كلهم إذ هو مثلهم في ذلك له أمثالا وأشباها ، لا افتراق بينه وبينهم في الإنسية ، ولا تفاوت بينه وبين جميعهم في الجنسية ، ولذلك كان يطعم صلى الله عليه كما يطعمون ، ويألم مما يؤلمهم كما يألمون ، ويقيمهم كما يقيمهم الشراب والطعام ، ويعرض له الحزن والغموم والاهتمام.
والنصارى كلها فقد تقر بطعمه وحزنه واغتمامه ، وتحمده بما كان من صبره
পৃষ্ঠা ৩৯২
وآلامه ، التي كانت وصلت إليه عندهم في الضرب والصلب ، وما كان يلقى في سياحته وأمره ونهيه من الدؤب والتعب ، وفيما (1) جعل الله من طعمه وأكله من الآيات البينة الجلية، ما يبطل ما قالت به النصارى فيه من الأقوال الكاذبة المفترية الردية ، وفي نسبة الله له المعقولة في الدنيا والآخرة إلى أمه ، ما يدل والحمد لله من رشد على أنها من أصله وجرمه ، (2) وأنه في ذلك كله كمثلها ، إذ هو منها ومن نسلها ، آباؤها آباؤه ، وغذاؤها غذاؤه.
فليفهم هذا من أمره وأمرها ، وعند ذكره في النسب وذكرها من يفهم ويعقل ، ولا يتجاهل منه ما لا يجهل. وليعلم أن قول الله سبحانه كثير في كتابه : ابن مريم ، وترديده في ذلك لذكره بها صلى الله عليه وسلم ، فيه من تيقن الثلج ، (3) وغوالب الحجج ، التي يثلج (4) بها كل قلب ، ويغلب فلا يعلى بغلب ، إذ تقرر من ولادتها له ما لا ينكره من النصارى ولا غيرها منكر ، ولا يتحير فيه من (5) كل من عرفه بها ولا بما كان له من ولادتها متحير ، إذ جعله الله سبحانه ابنها ، وجوده منها وعنها ، منها (6) كونه وفصوله ، وأصولها كلها أصوله ، وكل ما لزم فرع شيء من تغيير أو فناء لزم أصله ، وكذلك كل ما كان من ذلك للأصل فهو له ، لا يأبى ذلك ولا يكابره ، إلا فاسد العقل حائره (7).
وفيما قلنا به والحمد لله من ذلك ، وأن (8) عيسى صلى الله عليه كذلك ، ما يقول الله سبحانه : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر
পৃষ্ঠা ৩৯৩
أنى يؤفكون (75)) [المائدة : 71] ، فأي آية أدل لهم على أنه مثلهم من أكله للطعام لو كانوا يعقلون ، فلقد جهلوا من هذا ويلهم ما لم يجهل قوم نوح إذ يقولون : ( ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ) [المؤمنون : 33].
[مصادر عقائد النصارى]
ومن قبل ما قالت به النصارى في المسيح بن مريم ما قال بمثل قولهم المشركون ، فزعموا أن ملائكة الله المقربين ، ولد وبنات لله رب العالمين.
ومنهم ما (1) قبلت النصارى أقوالها ، وحذت في الاشراك بالله منهم مثالها ، وهو قول كان يقول به في الأوائل الروم والقبط وأهل الجاهلية ، من كان يقول في النجوم السبعة بتثبيت الربوبية لها والإلهية ، وكانوا يزعمون أن النجوم السبعة ملائكة لله ناطقة ، وأنها آلهة مع الله لما تم بها (2) كونه خالقة ، وأن الله سبحانه صنعهن منه صنعا ، ولم يبتدعهن لا من شيء بدعا ، فلما أكملهن تبارك وتعالى وتم تمامهن ، كن كلهن به وعنه قال لهن :
أنتن آلهة الإلهية بكن عقد كل معقود وحل كل محلول ، وزعموا أن بهن وعنهن كانت من الحيوان المائت (3) جعله كل مجعول ، بهن كان وجوده وقوامه (4)، ومنهن كان صنعه وتمامه ، وأنهن (5) علة واسطة بين الله وبين الأشياء ، وأن الله الصانع لهن ولغيرهن به ماتت (6) الأحياء ، وكان الله لا شريك له إله الآلهة العلي الذي لا يمثلونه بشيء ، والأول القديم الذي لم يزل تبارك وتعالى من غير أول ولا بدي ، وأنه هو المبتدئ (7)
পৃষ্ঠা ৩৯৪
الصانع للنجوم السبعة ، المتعالي عن مشابهة كل مصنوع كان أو يكون وكل صنعة.
وكذلك قالت النصارى : إن الله خلق الأشياء بابنه نفسه ، وحفظها ودبرها بروح قدسه ، وإن الابن خلق الخلق وفطره ، وإن روح القدس حفظ الخلق ودبره ، وزعموا أن قوة الخلق غير قوة الحفظ والتدبير ، وأن الأب لم ينفرد من ذلك كله بقليل ولا بكثير ، وأن حال الأب والابن وروح القدس في الإلهية واحدة ، وأن عبادة كل واحد منهم (1) عليهم واجبة.
وكذلك زعم المشركون من أصحاب النجوم أن الله خلق الحيوان الميت ودبره بالنجوم السبعة ، وأن بهن وبما جعل الله من القوة فيهن كانت من ذلك كل بريته وكل صنعة ، فأقوالهم كلهم (2) في أن لله ولدا واحدة (3) غير مفترقة ، وفريتهم جميعا في ذلك على الله فكاذبة غير مصدقة ، إذ شبهوا بالله غيره ، فجعلوه ولده ونظيره.
وفي القول بالولادة والاشتباه ، (4) إبطال من قائله لكل إله ، لأنهما إذا تماثلا واشتبها ، لم يكن كل واحد منهما إلها ، لأنه لا يقدر مع تشابههما أحدهما على إبطال الآخر ، وإذا لم يقدر على إبطاله كان عاجزا غير قادر ، ومن كان في شيء من الأشياء كلها عاجزا ، كان عجزه له (5) عن الربوبية والإلهية حاجزا.
وإن قال قائل كان (6) كل واحد منهما قادرا على إبطال نظيره ، ففي ذلك أدل الدلائل على نقص كل واحد منهما وتقصيره ، وإذا كان كل واحد منهما منقوصا مقصرا ، (7) لم يكن من الأشياء كلها لشيء صانعا مدبرا ، ليس له كفؤ من الأشياء كلها ولا مثل ولا نظير ، ولم يوجد في السماء ولا في الأرض ولا فيما بينهما صنع ولا تدبير ،
পৃষ্ঠা ৩৯৫
والصنع فقد (1) يرى بالعيان في ذلك كله قائما موجودا ، فكفى بذلك دليلا بينا على أن لهذا الصنع العجيب صانعا لا والدا ولا مولودا.
ووجود (2) صانعه أبين وأوجد من وجود كل موجود وجودا ، وأنه واحد صمد ليس والدا ولا مولودا ، ولن يجد ذلك أحد أبدا ، إلا الله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يزل تبارك وتعالى واحدا صمدا ، ليس من ورائه أزلي مصمود ، ولا أولي من الأشياء موجود ، فيكون متقدما أولا قبله ، فلا يكون الله هو الخالق له ، بل هو الله الخالق الأول القديم ، الذي ليس لغيره (3) عليه أولية ولا تقديم ، ولكن كل ما سواه ، فخلق ابتدعه وأبداه ، فوجد بالله خلقا بديا بعد عدمه ، بريا من مشاركة الله في قدرته وقدمه ، بينة آثار الصنع والتدبير فيه ، شاهدة أقطاره بالحدث والصنع عليه ، مختلف مؤلف ، ضعيف مصرف ، مجسم محدود ، متوهم معدود ، قد ناهاه قطره وحده ، وأحصاه مقداره وعده ، فهو كثير أشتات ، له نعوت وصفات ، كثيرة متفاوتات ، كذلك الحيوان منه والموات.
فليس يوجد أبدا الواحد الأزلي ، الذي ليس له مثل ولا نظير ولا كفي ، (4) إلا الله تقدست أسماؤه ، وجل ذكره وثناؤه ، وفي ذلك وبيانه ، ومن حججه وبرهانه ، ما يقول الله جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله ، فيما نزل من كتابه المجيد ، في سورة الإخلاص والتوحيد : ( قل هو الله أحد ) (1) [الإخلاص : 1]. والأحد فمن ليس له والد ولا ولد ، ( الله الصمد ) (2) [الإخلاص : 2] والصمد فهو الغاية في كل خير والمعتمد ، الذي ليس من ورائه ، من يسمى بأسمائه ، فيستحق منها كما استحق الله شيا ، فيكون لله فيما يسمى به منها كفيا ، كما قال الله سبحانه في كتابه ، وما نزل من
পৃষ্ঠা ৩৯৬
البيان (1) على عباده ، فيما كان لله (2) تبارك وتعالى من أسمائه الحسنى متسميا : ( رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) (65) [مريم : 65].
وفيما نزل سبحانه من أنه ليس له كفؤ ولا نظير ، ما يقول : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [الشورى : 11]. و ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (103)) [الأنعام : 103].
وفي أنه ليس له شبيه ولا كفي ، (3) ولا مثيل ولا بدي ، ما يقول الله سبحانه : ( لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)) [الإخلاص : 3 4]. وكيف يولد من لم يزل واحدا أولا؟! أو يلد من جل أن يكون عنصرا متحللا؟! (4) لا كيف والحمد لله أبدا! يكون الله والدا أو ولدا! فنحمد الله على ما من به علينا في ذلك من البيان والهدى ، ونعوذ بالله في الدين والدنيا من الضلالة والردى.
فليسمع من قال بالولد على الله ، من كل من أشرك فيه بالله ، من اليهود والنصارى ، والملل الباقية الأخرى حجج الله المنيرة في ذلك عليهم ، ففي أقل من ذلك بمن الله ما يشفيهم ، من سقم كل عمى عارضهم فيه أو داء ، ويكفيهم في كل قصد أرادوه أو اهتداء ، ففي ذلك ما يقول الله سبحانه لهم كلهم جميعا ، ولكل من كان من غيرهم لقوله فيه سميعا ، ممن لم يعم عن قول الله فيه عماهم ، ولم يعتد على الله فيه اعتداءهم : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) [البقرة : 116] ، فقال الله إنكارا لقولهم فيه وردا : ( سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون (116) بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) (117) [البقرة : 116 117].
পৃষ্ঠা ৩৯৭
وفي ذلك وتبيينه ، وفي افترائهم فيه بعينه ، ما يقول الله سبحانه : ( وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون (100) بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم (101) ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل (102) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (103)) [الأنعام : 100 103]. ومعنى خرقوا ، فهو : افتروا واخترقوا ، باطلا وبهتانا ، وعماية وجهلا وطغيانا.
وتأويل «سبحن» ومعناها ، فليعرف ذلك من قراها : إنما هو بعد الله وتعاليه ، عما قالوا به (1) من اتخاذ الولد فيه ، وقول القائل سبحان ، إنما معناه : بعدان ، كما يقال بينك وبين ما تريد ، سبح يا هذا بعيد ، فالسبح هو البعيد (2) الممتنع ، والأمر المتعالي المرتفع.
فما الذي هو أمنع وأبعد ، من أن يكون الله والدا أو يولد ، وهذا فهو قول متناقض ، محال داحض ، لا يقوم أبدا في فكرة ولا وهم ، ولا يصح به كلام من متكلم.
ولذلك من محاله ، وتناقضه وإبطاله ، ما يقول الله سبحانه تعاليا عن قولهم وبعدا : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) [البقرة : 116] ، والمتخذ عند كل أحد فهو المستحدث المصطنع ، وما اتخذ فاصطنع (3) فهو يقينا المحدث المبتدع ، والوالد كما قد بينا في صدر هذا الكتاب كالمولود ، في مالهما بالذات والطبيعة من (4) الخاصية والحدود ، فجعلوا الإله البديع كالمبدوع ، والرب الصانع للأشياء كالمصنوع ، وكلهم يزعم أن الله صانع غير مصنوع ، ومبتدع لجميع البدائع غير مبدوع ، وإذا صح أن السماوات والأرض وما فيهن لله ، وأن قيام ذلك ووجوده وصنعه بالله ، وما قضى من أمر فإنما قضاؤه له ، بأن
পৃষ্ঠা ৩৯৮
يبتدع صنعه وفعله ، لا بنصب ولا علاج ، (1) ولا أداة ولا معاناة ولا احتياج ، (2) ولكنه يتم كونه وصنعه ، إذا هو أراده وشاءه.
وإذا قيل أمر الله في خلقه وقضى ، فإنما هو من الله بمعنى أراد الله وشاء ، وما ذكر من قنوت الأشياء لله ، فإنما هو قيامها ووجودها بالله ، وتأويل قوله : ( له ما في السماوات والأرض كل له قانتون ) (116)، إنما هو كل به ومن أجله كائنون.
وسواء في هذا الباب ، وفيما ذكر منه (3) في الكتاب ، قلت : له ، وبه (4) ومن أجله ، وكما يقال : فعلت ذلك بك ولك ، وكذلك يقال : فعلت ذلك بك ومن أجلك.
ولما أن صح بأحق الحقائق ، وأوجد ما يكون من الوثائق ، أن السماوات والأرض ومن (5) فيهن لا تكون أبدا إلا من واحد ، صح أن ذلك لا يكون أبدا من مولود ولا والد ، فكان القول مع صحة هذا ونحوه وأمثاله ، بما قالوا به في الولد من أخبث القول وأحول محاله!! وأي تناقض في مقال يقال أقبح؟! أو محال بتناقض (6) فاحش أوضح؟! من قولهم اتخذ الله ولدا فجعلوه (7) متخذا مولودا! وهم يقولون مع قولهم ذلك أن الولد لم يزل قديما موجودا ، لم يفقد قط ولم يزل ، ولم يتغير حاله ولم يتبدل ، فمن أين يكون مع (8) هذا القول منهما ولد ووالد؟! وأمرهما جميعا في القدم والأزلية واحد! وكيف يكون متخذا حدثا من لم يزل موجودا قديما ، وإنما يكون المتخذ المستحدث من كان قبل أن يتخذ مفقودا عديما. فقالوا جميعا كلهم : هو الله (9) وولده ، ثم زعموا مع
পৃষ্ঠা ৩৯৯
ذلك أنه ابنه يسبحه ويعبده ، والمولود (1) عندهم في الإلهية والأزلية كالوالد ، فصيروا الرب المعبود في ذلك كله كالمربوب العابد ، فهل وراء ما قالوا به من التناقض في ذلك على الرب؟! من مزيد في تناقض أو محال أو إبطال أو إفساد أو كذب ، يقول به قائل مناقض محيل ، ويضل (2) في مثله إلا تائه ضليل ، قد عظم في المحال والتناقض إسرافه ، وقل في المقام بالباطل لنفسه إنصافه ، فهو يلعب في حيرته ساهيا ، ويخوض في غمرته لاهيا.
وفيه والحمد لله وفي أمثاله ، ممن قال على الله بمقاله ، ما يقول الله تعالى : ( سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون (82) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) (83) [الزخرف : 82 83]. وفي ذلك ما يقول سبحانه : ( ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون (40) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ) (41) [سبأ : 40 41].
وفي إحالة قول من قال بالولد ، من أهل الكتاب ومن كل ملحد ، ما يقول سبحانه: ( لقد جئتم شيئا إدا (89) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (90) أن دعوا للرحمن ولدا (91) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا (92) إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا (93) لقد أحصاهم وعدهم عدا (94) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا (95)) [مريم : 89 95]. والإد من الأمور والأقاويل ، فما امتنع امكانه في العقول ، فلم يطق له أحد احتمالا ، وكان في نفسه فاسدا محالا ، وهو كما قال الله سبحانه : ( وما ينبغي ). وذلك فما ليس بممكن ولا متأتي (3).
فأي ممتنع من الأمور أبعد إمكانا (4)؟! مما قالوا به في الولد على الله بهتانا ، وهل
পৃষ্ঠা ৪০০
يمكن السماوات والأرض في عقل أو لب ، أن تكون من ابن أبدا أو (1) أب ، وهل الابن إلا كالأبناء ، وكذلك الأب فكالآباء ، فإن لم يكن كهم زال أن يكون أبا أو ابنا ، ولم يكن ذلك أبدا في الأوهام ممكنا ، لأنه إن لم يكن أب وابن كأب وابن في الأبوة والبنوة مثله ، زالت الأبوة والبنوة واسمها كلها عنه ، وإن كان الابن للابن مثلا ، كان مثله خلقا مجتبلا ، ومتى (2) جعلوا المسيح ابنا وولدا ، كان مثل الأبناء لله عبدا مخلوقا متعبدا ، ومتى أنكروا أنه كغيره من الأبناء عبد (3) لله ، أنكروا صاغرين أن يكون كما قالوا ابنا لله ، أفليس هذا من القول هو المحال بعينه؟! وما يحتاج أحد يعقل إلى تبيينه!!
إذ يثبتون من ذلك في حال واحدة ما ينفون ، وينفون من مقالهم في حال واحدة ما يثبتون.
ولله تبارك وتعالى من الحجة والرد ، في كتابه على من قال عليه بالولد ، ما يكثر عن الله عن أن نحصيه أو نعدده ، أو يدرك مدرك سوى الله (4) أمده ، وكفى بما ذكرنا والحمد لله حجة وردا ، على من زعم أن لله تبارك وتعالى ولدا ، من فرق النصارى واليهود ، (5) وأهل الفرية على الله والجحود ، ممن جعل لله سبحانه ندا أو ضدا ، وجعله والدا (6) أو ولدا ، فليفهم حجج الله في ذلك كله من كان لله موحدا ، وليتفقد تناقض قولهم فيه وفساده ، وإحالته واختلافه ، يجد قولا محالا فاسدا ، متناقضا مختلفا.
وفيه ما يقول الله سبحانه ، لنبيه صلى الله عليه وآله ورفع شأنه : ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا (4) ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا (5) فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا (6)) [الكهف : 4 6]. فأخبر
পৃষ্ঠা ৪০১
سبحانه بأسف رسوله ، صلى الله عليه وآله ، من قولهم على الله سبحانه بالفاسد المحال ، وبأخبث ما يقال من متناقض الأقوال ، ونبأ الله جميع عباده ، بجهلهم لقولهم فيه وفساده ، بقوله سبحانه: ( ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) (5)، ووجدنا ما قال الله من كذبهم فيه وقلة علمهم لازما واجبا ، وكان ذلك على ما قال به من أهل الكتاب ، أوكد لما (1) يقولون به من ربوبية رب الأرباب ، فكلهم يثبت لله الربوبية ، ويصحح له الوحدانية ، وجميعهم وإن زعم أن لله ولدا يقر بربوبيته ووحدانيته ، ويشهد له بدوامه وأزليته ، التي لا يصح لهم أبدا ما يقولون به منها ، إلا بتركهم لمقالتهم في الولد والرجوع عنها ، ولن يرجعوا عن ذلك مصارحة أبدا ، وإن هم قالوا أن قد اتخذ الله ولدا ، لأن في رجوعهم عن القول لله بالوحدانية والأزلية ، لحوقهم عند أنفسهم بقول (2) أهل الجاهلية ، من عبدة الأوثان ، والنجوم والنيران ، وذلك فما لن يقولوه ، وإن لم يعرفوا الله وجهلوه ، لفساد ذلك عندهم وشناعه ، وبعد إمكان ذلك في الله وامتناعه ، ولذلك ما يقول جل جلاله ، عن أن يصح عليه تشبيه شيء (3) أو يناله ، في أزلية قديمة أو ذات ، أو صفة ما كانت من صفات ، إذ في ذلك ، لو كان كذلك ، إشراك (4) غيره معه في الإلهية ، إذ كان شريكا له في القدم والأزلية.
فتبارك الله الذي ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [الشورى : 11] ، وجل ربنا عن أن يكون له في شيء كفؤ أو نظير! وأنى وكيف يكون خلق كخالقه؟! وهل يصح من ناطق بهذا لناطقه؟! لا ولو تظاهر الخلق جميعا عليه ، لما صح لهم والحمد لله أبدا منطق فيه.
পৃষ্ঠা ৪০২
[أدب الحوار]
وبعد : فلا بد لمن أنصف خصما في منازعته له ومجادلته ، من ذكر ما يرى الخصم أن له فيه حجة من مذهبه ومقالته ، فإذا ذكر ذلك كله ، بان ما فيه عليه وله ، فكان ذلك لباطله أقطع ، وفي الجواب له أبلغ وأجمع.
والنصارى فهم خصماؤنا في الله ، فلا بد من تبيين ما افتروا فيه على الله ، وهم ممن قال الله فيهم : ( والذين يحاجون في الله ) [الشورى : 16]. ومن الذين قال فيهم : ( *هذان خصمان اختصموا في ربهم ) [الحج : 16]. فهم في ذلك كغيرهم من كفرة الأمم.
فليفهم من قرأ كتابنا هذا ما نصف فيه من قولهم كله فسنصفه ، بما يعلمه علماء كل فرقة منهم إن شاء الله ويعرفه ، وسنستقصي لهم في كله ما استقصوا لأنفسهم من المقال ، ثم نجادلهم فيه على الحق بالتي هي أحسن وأبلغ في الجدال ، وندعوهم إلى سبيل ربنا وربهم بالحكمة والبينة ، ونعظهم إن شاء الله بالمواعظ البليغة الحسنة ، فإن الله سبحانه يقول لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) (125) [النحل: 125] ، فنستعصم الله في ذلك كله بعصمة الهداة المسترشدين. (1)
[مذاهب النصارى المتفق عليها]
وهذا كتاب ما حددت النصارى من قولها ، قد استقصينا فيه جميع أصولها ، فليفهم ذلك إن شاء الله منها ، من أراد فهمه من الأمم عنها.
زعمت النصارى كلها : أن الله سبحانه ثلاثة أشخاص مفترقة ، وأن تلك الأشخاص الثلاثة كلها طبيعة واحدة متفقة ، وقالوا : تلك الثلاثة في درك يقين النفس ،
পৃষ্ঠা ৪০৩
أب وابن وروح قدس.
قالوا : فالأب غير مولود ، والابن فابن وولد مولود ، وروح القدس فلا والد ولا مولود، وكل واحد من الثلاثة بما قلنا فموجود.
وقالوا : إن هذه الأشخاص الثلاثة لم تزل جميعا معا ، لم يسبق بعضها في الوجود بعضا ، وإن ما ذكروا (1) من الأب والروح والولد ، لم يزالوا كلهم في اللاهوت وملك واحد ، ليس بين الثلاثة كلها تفاوت في الإلهية ، ولا في قدم ولا قدرة ولا ملك ولا مشية ، وإن الثلاثة كلها واحد في الطبيعة والذات ، (2) وإن هذا الواحد في الطبيعة ثلاثة في الأشخاص المفترقات ، (3) وذلك كالشمس ، فيما يدرك منها بالحس ، التي هي شمس واحدة في كمالها وذاتها ، وثلاثة متغايرة في حالها وصفاتها ، كل واحد منها غير الآخر في شخصه وصفته ، وإن كان هو هو في ذاته وطبيعته.
فمن ذلك زعموا أن الشمس في عينها كالأب ، وضوءها فيها كالابن ، وحرها منها كالروح ، ثم هي بعد وإن كانت لها هذه العدة ، فشمس لا يشك فيها أحد واحدة ، لأن الشمس إن فارقها ضوءها لم تدع شمسا ، وكذلك إن فارقها حرها لم تدع أيضا شمسا ، وإنما تسمى شمسا وتدعا ، إذا كان هذا كله فيها مجتمعا.
وكذلك الانسان فإنه وإن كان في الانسانية واحدا ، فإنا قد نراه وترونه أشياء كثيرة عددا ، منها نفسه وجسده ، وحياته ومنطقه ، فجسده غير نفسانيته ، ومنطقه غير حياته ، لأنه ليس يقدر أحد أن يزعم أن الحياة هي المنطق ، ولا أنهما جميعا واحد متفق ، لأن كثيرا من الأحياء لا يتكلم ولا ينطق.
قالوا : ولسنا نريد بالمنطق القول الذي يسمع سماعا ، ولكنا نريد الفكر الذي جعله الله في الانسان غريزة وطباعا ، فطرة (4) خاصة في الانسان ، لا في غيره من الحيوان ،
পৃষ্ঠা ৪০৪
كالحيوان الذي جعل (1) من البهائم وغيرها ، من نوابت الأرض وشجرها ، ولو كانت الحياة هي المنطق ، لكان كل حي من الأشياء ينطق ، فنطق جميع البهائم ، كما ينطق بنو آدم.
قالوا : فلما لم يكن الأمر كذلك ، دل على ما قلنا به من ذلك ، فالأب والابن وروح القدس ، كان دركهم بعقل أو حس ، فقد (2) صاروا في الذات والطبيعة واحدا فردا ، وفي الأقانيم التي هي الأشخاص ثلاثة عددا ، فالطبيعة تجمعهم وتوحدهم ، والأقانيم تفرقهم وتعددهم ، فالأب ليس بالابن والابن فليس بالروح ، وما قلنا به من هذا فبين مشروح ، فهم كلهم بالطبيعة والذات واحد ، وهم في الأقانيم ثلاثة روح وابن وأب والد ، لأن الأب والد غير مولود والابن فمولود غير والد ، والروح فثالث موجود ، لا والد ولا مولود.
قالوا : ثم إن هذه الأقانيم الثلاثة لم تزل جميعا معا ثلاثة عددا ، لم يسبق في الوجود والأزلية والقدم واحد منها واحدا ، أنزل واحد منها وهو الابن إلى الأرض رأفة بالبشر والإنس ، عن (3) غير مفارقة منه للأب ولا لروح القدس ، إلى مريم العذراء ، فاتخذ منها حجابا وسترا ، فتجسد منها بجسد كامل في جميع إنسانيته ، فتبدى به وظهر فيه لأعين الناظرين عند معاينته ، فأكل كما يأكل الإنسان وشرب ، وساح على قدميه ودأب وتعب ، وأسلم نفسه رأفة ورحمة بالبشر للصلب ، ولما صار إليه لكرمه وحلمه من الأذى والنصب.
[مذاهب النصارى المختلفة]
ثم اختلفت النصارى (4) بعد في الابن والولد ، وما كان من تجسده بما زعموا من الجسد.
পৃষ্ঠা ৪০৫
الأولى : الملكانية ، وهم أقدم فرق النصارى مذهبا ، وقد قالوا بأن الله تعالى ، واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية ، وان الاتحاد لعيسى عليه السلام ، ما كان من حيث أنه انسان معين ، بل إنما وقع الاتحاد بالانسان الكلي.
الثانية : اليعقوبية ، وهم القائلون بأن الاتحاد إنما كان من حيث الذات ، حتى قالوا : المسيح جوهر من جوهرين ، وأقنوم من أقنومين ، ناسوتي ولاهوتي ، وأنهما امتزجا حتى صار منهما شيء ثالث ، كما تمتزج النار بالفحمة ، فيصير منهما شيء ثالث وهو الجمرة.
الثالثة : النسطورية ، وهم القائلون بأن الاتحاد إنما كان من جهة المشيئة ، وقال بعضهم معنى الاتحاد هو :
إن الكلمة جعلته هيكلا وادرعته ادراعا ، وكذلك قالوا : المسيح جوهران أقنومان.
الرابعة : هؤلاء الأرمنوسية ، فإنهم زعموا أن عيسى عليه السلام ، كان عبد الله تعالى اصطفاه ، ولكنه اتخذه ابنا له على سبيل التشريف ، هذا ما ذكره الإمام يحيى عليه السلام من بيان فرقهم.
قال : واشتهر على ألسنة المتكلمين أن النصارى يقولون : إن الله واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية. فأما وصفهم الله تعالى بالجوهرية ، فالخلاف فيه ليس إلا من جهة اللفظ ، لأنهم متفقون على أن الله ليس بمتحيز ، وأنه تعالى منزه عن المكان والجهة ، ومعنى وصفه بكونه جوهرا عندهم ، أنه قائم بنفسه ليس بمفتقر إلى غيره.
وأما الأقنوم فهو : اسم سرياني. ومعنى الأقنوم عندهم : الشيء المتفرد بالعدد. والأقانيم عندهم ثلاثة : أقنوم الأب ، وهذا ذات الباري تعالى. وأقنوم الابن ، وهو الكلمة. وأقنوم روح القدس ، وهو الحياة. وقد تخبط الناس في معرفة مقاصدهم ، بهذه الأقانيم ، فذهب بعضهم إلى أن هذه الأقانيم ذوات قائمة بأنفسها ، وكل أقنوم منها مستقل بنفسه ، وذهب آخرون منهم إلى أنها أشخاص. وقال قائلون : إنها وجوه وصفات ، إلى غير ذلك من التفرق والخلاف.
قال : وكلامهم في هذه الأقانيم في غاية الخبط والاضطراب ، لا تستقر له قاعدة ، ولا يعقل له حقيقة.
قال : واعلم : أن الأشبه عند التحقيق أن مراد النصارى من هذه الأقانيم التي زعموها هو هذه المعاني التي يثبتها هؤلاء الأشعرية ، وبيانه أن النصارى يعتبرون في تقرير مذهبهم وقولهم ، بهذه الأقانيم شرائط ثلاث :
الأولى : وحدة الذات ، فإن عندهم أن الله تعالى ، واحد بالجوهرية.
الثانية : أن الصحيح من مذهبهم أن هذه الأقانيم عندهم ذوات مستقلة بأنفسها ، ليست من قبل الأحوال والصفات ، بل ذوات على حيالها منفردة.
الثالثة : أن هذه الأقانيم متعددة في أنفسها ، وأعدادها ثلاثة كما سبق ، وهذه الشرائط الثلاث لا توجد
পৃষ্ঠা ৪০৬
فقالت فيه الروم ، وهو قولها المعلوم : إن الأقنوم (1) الإلهي الذي لم يزل موجودا ، ومن قبل الدهور من الأب مولودا ، أنزل إلى مريم العذراء فأخذ منها طبيعة بغير أقنوم فكان لطبيعتها أقنوما ، فعمل (2) بطبيعتها التي أخذ منها كل ما كان لها في طبيعتها معلوما ، فنام كما كانت تنام نومها ، وإن لم يكن أقنومه أقنومها ، وفعل من أفعال طباعها فعلها ، وإن لم يكن أصله في الناسوت أصلها. قالوا : فعمل بطبيعتها فكان المسيح إنسانا تاما بطبيعتين ، وإن كان أقنوما واحدا لا اثنين ، والمسيح فهو ابن الله الأزلي المولود ، وعمل الطبيعتين جميعا فهو فيه موجود. قالوا : فإذا سر أو بكى ، أو ضحك أو اشتكى ، وكلهم يقر ولا يشك ، أن قد كان يبكي ويضحك فكل ما
قال : وقد فسر بعض النقلة من أهل المقالات كلام النصارى وقولهم بالأب ، والابن ، وروح القدس ، بما تقوله الفلاسفة من أنه تعالى عقل وعاقل ومعقول ، فهو من حيث أنه عقل لذاته أقنوم الأب ، ومن حيث أنه عاقل لذاته أقنوم الابن ، ومن حيث أنه معقول لذاته أقنوم روح القدس.
قال : واتفقت آراء الفرق النصرانية على القول بالاتحاد ، ثم اختلفوا في كيفيته ، فقال بعضهم : إن الاتحاد كان بامتزاج الذاتين.
وقال بعضهم : الاتحاد بالحلول.
وزعم بعضهم : أن الاتحاد كان بالانسان الكلي.
وبعضهم قال : الاتحاد بالانسان الجزئي ، إلى غير ذلك من التفرق والنزاع ، تعالى الله عن سخيف نحو هذه المقالات ، التي أذعنت لها السماء بالانفطار ، والأرض بالتشقق ، والجبال بالانحدار ( أن دعوا للرحمن ولدا ، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ، إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ).
পৃষ্ঠা ৪০৭