فعلم الله بما يكون من أفعال عباده فغير أعمالهم، ولم يضطرهم(1) إلى عمل في حال من حالاتهم(2)، فالعلم بهم محيط، وهم يتصرفون فيه(3)، وينتقلون(4) من معلوم إلى معلوم؛ بما ركب فيهم من الاستطاعة والقدرة، قد علم ممن عصاه أنه سيعصى، وأن من تاب فقد علم أنه سيتوب، وإن عاد فقد علم أنه سيعود، وليس علمه بأنه سيختار المعصية أدخله في العصيان، لأن ضده قد يكون من العبد وهو التوبة والإحسان. فكيف يجوز على الواحد الرحمن(5) أن ينقل من عباده أحدا من رضاه إلى سخطه؟ إذا لقد جبره على معصيته، ولو جبره عليها، إذا لما كان بد للعبد من الدخول فيها، ولو دخل العبد فيما أدخله ربه فيه؛ لوجب له الثواب عليه ، ولكان لله من المطيعين، إذ هو جار على مشيئة رب العالمين، ولما كان في الخلق عاص، ولكان الله عن كلهم راضيا، ولكان في القياس إبليس عندالله مرضيا، إذ هو يحب أبدا ويدعو، إلى ما شاء الله لعباده ورضي، ولما ذمه الله في التكبر والعصيان، إذ الحامل له والمدخل له فيه الرحمن، ولما قال: يا إبليس {ما منعك أن لاتسجد إذ أمرتك} [الأعراف: 12] وهو يعلم أنه المانع له من السجود. فتبارك الله عن ذلك الواحد المعبود.
পৃষ্ঠা ২৯৭