وكذلك حكم على من عصاه بالمعصية، فإن تاب حكم له بالطاعة، وإن عاد فعصى؛ حكم عليه بما حكم على أهل الردى، فإن تاب وأناب، وعاد إلى الله وأجاب؛ حكم له بالهدى والثواب.
فهذه أحكام من الله وإرادات، أراد الله سبحانه أن يتصرف في المخلوقين، على قدر ما يكون منهم من العملين، فقال جل وعز: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون} [فصلت: 46].
***
وأما ما ذكر من العلم، وأن العلم لا يخلو من أن يكون الله العالم بنفسه، ويكون العلم من صفاته في ذاته لا صفته(1) لغيره، أو يكون العلم غيره.
فمن قال: إن العلم غيره؛ فقد جعل مع الله سواه، ولو كان مع الله سواه؛ لكان أحدهما قديما والآخر محدثا، فيجب على من قال بذلك أن يبين أيهما المحدث لصاحبه، فإن قال: إن العلم أحدث الخالق كفر، وإن قال إن الله أحدث العلم؛ فقد زعم أن الله كان غير عالم حتى أحدث العلم، ومتى لم يكن العلم؛ فضده لا شك ثابت وهو الجهل، تعالىالله عن ذلك علوا كبيرا.
وإن رجع هذا القائل الضال، إلى الحق من المقال؛ فقال في الله بالصدق، تبارك وتعالى ذو الجلال، فقال: إنه العالم بنفسه، الذي لم يزل ولا يزال(2)، وأنه الواحد ذو الإفضال(3)، وأنه لا علم ولا عالم سواه، وأنه الله الواحد العالم؛ وجب عليه من بعد ذلك، أن يعلم ان كل ما نسبه إلى العلم فقد نسبه إلى الله، وسواء قال: أدخله العلم في شيء؛ أو قال أدخله الله فيه، وحمله(4) سبحانه عليه.
والله عز وجل فبريء من ظلم العباد، متقدس عن أفعالهم، فأفعالهم بائنة من فعله، وأفعاله بائنة من أفعالهم، لم يحل بين أحد وبين طاعته، ولم يدخل أحدا في معصيته.
পৃষ্ঠা ২৯৬