وهذه الأشياء التي ذكرنا من حسن البيان، والشرح، وإيضاح ما يحتاج إليه من دقائق حسن التعبير، وجيد التمييز الذي لا يوجد في سواه، فهي العلم والدليل على إمامته وعقد الله سبحانه ما عقد له منها، وذلك يا بني العلم الأكبر، والدليل الأوفر على عقد الله الإمامة لمن كان ذلك فيه وعنده ولديه.
والحجة فيما قلنا به من أن هذا أكبر الأعلام والدلايل، أن الله تبارك وتعالى تعبد الخلق بمسموع ومعقول، فالمعقول: ما أدرك بالنظر والتمييز بالعقول، والمسموع فهو ما يسمع بالأذن من المسمع المؤدي من نبي، أو وصي، أو إمام مهتد. وإذا كان فرض الله ومتعبده لخلقه بالمسموع، كانت حاجة السامع إلى تأدية المسمع لازمة، إذ كانت حجة الاستماع على المستمع واجبة، وإذا كان ذلك كذلك أحتاج الإمام المسمع للرعية إلى أن يكون في الكفاية، والفهم بالشرح والتبيين ودقائق حسن التعبير وجيد التفصيل، ومبين التفهيم، والمعرفة بالتأني لتعليم الرعية وتفهيم البرية لما يحتاجون إليه على غاية ما يكون؛ لأن ذلك كله تأدية عن الله لما افترض على الخلق من المسموع، فإذا كمل في هذه الأشياء فقد كمل في التأدية عن الله لفرائضه المسموعة في كل معنى، فلذلك قلنا إن حسن التأدية بلطائف التعبير، وحسن الاستماع للسامعين في التأدية والتفسير، أكبر أعلام الإمامة، وأدل الدلايل على الحكمة التي يؤتيها الله أوليائه، لأن من آتاه الله الحكمة فهو عند الله من أهل الولاية والمحبة، ومن تولاه الله وأحبه فهو آهل الناس من الله بالإمامة، وأولاهم منه سبحانه بالكرامة. فمن كان كذلك من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو الإمام المفترض الطاعة الذي لا يجوز لأحد خذلانه، ولا يسع رفضه، ولا يؤمن بالله خاذله، ولا يوقن بالوعد والوعيد تاركه.
পৃষ্ঠা ৫৯৬