استحقاق الأئمة وعلمهم
وكذلك الأئمة الهادون الداعون إلى الله المرشدون، بانت إمامتهم، وثبت عقدها من الله لهم بخصال الاستحقاق، وبالعلم والدليل الذي بانوا به من غيرهم، وامتازوا به عن مشاركة أهل دهرهم.
فأما الاستحقاق فهو ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والعلم والورع والزهد، والدعاء إلى الله، وتجريد السيوف، وخوض الحتوف، وفض الصفوف، ومجاهدة الألوف، ورفع الرايات، ومباينة الظالمين، وإقامة الحدود على من استوجبها، وأخذ أموال الله من مواضعها، وردها في سبلها التي جعلها الله لها وفيها ، مع الرحمة والرأفة بالمؤمنين، والشدة والغلظة على الفاسقين، والشجاعة عند جبن الناس، والمجاهدة للكافرين والمنافقين، فهذا باب الاستحقاق للإمامة.
والعلم والدليل فهو توفيق الله وتسديده لوليه وتأييده، وإيتاؤه اياه الحكمة { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } [البقرة: 269] { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } [الحديد: 21].
ودليل ذلك وعلمه الذي يدل على أنه قد آتى وليه الحكمة ما يظهر من الإمام من الأمور المعجزات لأهل دهره، من حسن علمه، ودقائق فهمه، وحسن تعبيره، وتمييزه والمعرفة بالتأني لتعليم رعيته، وتفهيمها بما تحتاج إلي فهمه حتى يكون معه من الشرح لما يسأل عنه والتبيين لما يأتي به، والاحتجاج فيه وعليه بالحجج البالغة، والبراهين النيرة التي لا توجد عند غيره، ولا ينال شرحها والاحتجاج بها سواه، مع التأني لقبول عقول العالمين لما به يأتي من الحق المبين، والأمر المنير، مع استنباطه لعلم دقائق الكتاب، ودقائق الحلال والحرام في كل الأسباب، التي لا يقع عليها إلا من تولى الله اللطف له، وتوحد بالهداية لقلبه، ممن قلده أمر رعيته، وحكم له بالإمامة على بريته.
পৃষ্ঠা ৫৯৫