257

মরুঝ আল-ধাহাব ওয়া-মা'আদিন আল-জওহর

مروج الذهب ومعادن الجوهر

وقد ذهب جماعة من أهك البحث والنظر من أهل الإسلام إلى أن الدلالة قد قامت على حدوث العالم بعد أن لم يكن، وأن المحدث له الخالق الباري جل وعز، أحدثه لا من شيء، ويبعثه لا من شيء في الأخرة ليصح بذلك وعده ووعيده،إذ كان الصادق في وعده ووعيده لا مبدل لكلماته، وأن أول العالم من لدن آدم، وقد غاب عنا حصر السنين وإحصاؤها، وتنازع الناس في بدء التاريخ، والكتاب لم يخبر بحصر أوقاته ولا بين عن كيفيته ولا أعداد سنيه فيما مضى، وليس علم ذلك مما تهجم عليه الآراء، ولا تحصره أقضيات العقول وموجبات الفحص وضرورات الحواس عند مذاكرتها لمحسوساتها، فكيف توجب أن يوقت عمر الدنيا بسبعة آلاف سنة، والله عز وجل يقول، وقد ذكر الأجيال ومن ضمه الهلاك: " وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا " والله تعالى ذكره لا يقول الكثير إلا في الشيء الحقيقي الكثير، وأعلمنا في كتابه خلقه أدم، وما كان من أمره وأمر الأنبياء بعده، وأخبر عن شأن بدء الخلق، ولم يخبرنا بمقدار ذلك فنقف عليه كوقوفنا عندما أخبرنا به، ولا سيما مع علمنا أن المدى بيننا وبينه متفاوت، وأن الأرض كثرت بها المدن والملوك والعجائب، فلا نحصر ما لم يحصره الله عز وجل، ولا نقبل من اليهود ما أوردته؛لنطق القرآن أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويكتمون الحق وهم يعلمون، ونفيهم النبوات وجحدهم ما أتوا به ممن الآيات مما أظهره الله عز وجل على يدي عيسى بن مريم من المعجزات، وعلى يدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من البراهين الباهرات والدلائل والعلامات، والله عز وجل يخبرنا بما أهلك من الأمم لما كان من فعلهم وكفرهم بربهم، قال الله عز وجل: " الحاقة وما الحاقة؟ وما أدراك ما الحاقة؛ كذبت ثمود وعاد بالقارعة، فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية " و إلى قوله: " فهل ترى لهم من باقية " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كذب النسابون " وأمر أن ينسب إلى معد، ونهى أن يتجاوز بالنسب إلى ما فوق ذلك؛لعلمه بما مضى من الأعصار الخالية والأمم الفانية؛ولولا أن النفوس إلى الطارف أحن، وبالنوار أشغف، وإلى قصار الأحاديث أميل وبها أكلف، لذكرنا من أخبار المتقدمين وسير الملوك الغابرين ما لم نذكره في هذا الكتاب، ولكن ذكرنا فيه ما قرب تناوله تلويحا بالقول دون الإيضاح والشرح؛إذ كان معولنا في جميع ذلك على ما سلف من كتبنا وتقدم من تصنيفنا، وإذا علم الله عز وجل موقع النية ووجه القصد أعان على السلامة من كل مخوف.

وقد ذكرنا في هذا الكتاب من كل فن من العلوم وكل باب من الآداب على حسب الطاقة ومبلغ الاجتهاد والاختصار والإيجاز - لمعا سيعرفها من تأمل، وينبه بها من راها.

وإذ قد ذكرنا جوامع ما يحتاج المبتدئ والمنتهي من علوم العالم وأخباره،فلنذكر ألان نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته، وأيام الخلفاء والملوك: عصرا فعصرا، إلى وقتنا هذا، ولم نعرض في كتابنا هذا لكثير من الأخبار، بل لوحنا بالقول بها تخوفا من الإطالة ووقوع الملل؛إذ ليس ينبغي للعاقل أن يحمل البنية على ما ليس في طاقتها، ويسوم النفس ما ليس في جبلتها ، وإنما الألفاظ على قدر المعاني فكثيرها لكثيرها، وقليلها لقليلها، وهذا باب كبير، وبعضه ينوب عن بعض، والجزء منه يوهمك الكل، والله تعالى ولي التوفيق.

ذكر مولد النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وغير ذلك مما لحق بهذا الباب

وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا بدء التاريخ في أخبار العالم وأخبار الأنبياء والملوك، وعجائب البر والبحر، وجوامع التاريخ للفرس والروم والقبط، وشهور الروم والقبط، وما كان من مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مبعثه، ومن آمن به قبل رسالته، وقد قدمنا في هذا الكتاب من كان بينه وبين المسيح من أهل الفترة، فلنذكر الآن مولده؛إذ كان الطاهر المطهر الأعز الأزهر، الذي اتسعت أعلام نبوته، وتواترت دلائل رسالته، ونطقت الشهادات له قبل بعثته.

نسبه الشريف

পৃষ্ঠা ২৭৬