فأما سائر الصناعات الآخر ففي خطاء أهلها أكثر ذلك التلف والفساد والبوار لا محالة فهذا الذي ذكرنا أيضا من فضيلة صناعة النجوم فإذ كان علم صناعة النجوم أشرف هذه الصناعات وسبيل أهله في الخطاء في بعض الأوقات دون سبيل غيرهم من أصحاب سائر الصناعات وخطاؤهم أسلم وأقل ضررا وصوابهم عظيم المنفعة فما أحق الناس من ذوي التمييز والمعرفة بالقبول والاستماع منهم وتصديقهم فيما يقولون واستعمالهم لهذه الصناعة في كل شيء يريدون عمله وتقديمه على غيره من العلوم والتدابير الدنياوية وما أحق أصحاب هذا العلم النجومي باستعمال ما أدركوا منه والكف عما خفي عليهم وترك التعرض لما لم يبلغه فهمهم لأن أكثر ما يلزم العيب علماء هذه الصناعة إنما هو بسبب قوم جهلة يقصدون بالنظر فيه طلب الكسب والنيل والزيادة في الجاه والقدر فيدعون من علم هذه الصناعة ما قصروا عنه ولم يمكنهم الإحاطة به ولا طاقة لهم بمعرفته فيجد بهذا السبب كثير من العامة السبيل إلى دفع هذا العلم والتكذيب به والتقصير بعلمائه وأهله وقد يعرض مثل هذا العارض الرديء في كل الصناعات الفصل الثالث في علة كيفية فعل الكواكب فيما يكون ويفسد في هذا العالم
إن كل واضع كتاب يجب عليه أن يبين معنى كتابه في أول ما يبتدئ به فأما نحن فإنما قصدنا في هذا الكتاب للإخبار عن دلالات الكواكب على الأشياء التي تكون وتفسد في هذا العالم ثم نخبر بعد ذلك عن طبائعها وسائر حالاتها وقد حد الحكيم لنا في معرفة الأشياء حدا يجب على كل من أراد معرفة شيء من الأشياء التمسك به وهو أربعة الأول أن يعلم الشيء المسؤول عنه والمطلوب هل هو موجود أو لا والثاني ما هو والثالث كيف هو والرابع لم هو والأشياء الطبيعية إنما تدرك بحاسة من الحواس الخمس التي هي البصر والشم والسمع والذوق واللمس فأما الكواكب فهي موجودة بحاسة البصر وليس يقدر أحد من ذوي التمييز أن يجحد وجودها فأما ماهية الكواكب فكل الأوائل من الفلاسفة ممن تكلم على الأشياء العلوية متفقون على أن ذاتها من طبيعة خلاف هذه الطبائع الأربع التي هي دون فلك القمر أعني النار والهواء والماء والأرض لأنها لو كانت من هذه الطبائع الأربع للزمها ما يلزم هذه الطبائع من استحالة بعضها إلى بعض ومن الكون والفساد والزيادة والنقصان ولذلك قالت الحكماء أن ذات الفلك وما فيه من الكواكب من طبيعة خامسة فأما كيفية الكواكب فإن الفلاسفة ذكرت أنها أجرام كريات نيرات متحركات حركة طبيعية فأما لم هي فلينفعل عن حركتها الطبيعية على هذا العالم الاستحالات طبيعية بهذه الأركان الأربعة من بعضها إلى بعض لاتصال هذه الأركان بها بالطبيعة
পৃষ্ঠা ৮০