يقول: هذا الربع. دار المرأة التي ألم بها طيف خيالها، ألم بها ليلًا، ويهددني الطيف بالهجران، على ما جرت به عادة المرأة تعذب بالدلال، وتهدد بالهجران، فما صدقت عيني في الرؤيا؛ لأنها أرتني ما لا حقيقة له! ولا كذب الطيف بالتهدد؛ فإنه قال: لأهجرنك. فأصبحت والهجران واقع!
ناءيته فدنا، أدنيته فنأى ... جمشته فنبا قبلته فأبى
روى: نأيته، وأنأيتة. أي أبعدته، وروى: ناءيته: أي نأيت عنه فحذف الجر عنه والتجميش: المغازلة، فنبا: أي ارتفع وجفا.
يقول: كلما أردت من الطيف أمرًا قابلني بضدة، فلما بعدت عنه، قرب مني، ولما قربته بعد، ولما غازلته ومازحته، قابلني بالجفاء، ولما قبلته، قابلني بالإباء؛ لأن خلقها لما كان لا يستمر على حال واحدة، كذلك الخيال يجري على هذا المثال. وهو كقول الشاعر:
صدت وعلمت الصدود خيالها
والأصل فيه قول الآخر:
فشكواي تؤذيها وصبري يسوءها ... وتجزع من بعدي وتنفر من قربي
هام الفؤاد بأعرابيةٍ سكنت ... بيتًا من القلب لم تمدد له طنبا
الطنب: الحبل الذي يشد به الخيمة. قوله: هام أي تحير وأصابه الجنون من العشق.
يقول: هام قلبي بأعرابية سكنت من القلب بيتًا ليس له أطناب وأوتاد، بخلاف بيوت أهل البادية. وقيل: إن معناه أنها ملكت فؤادي بلا مشقة، فكانت كمن سكن بيتًا لم يتعب في شد أطنابه.
مظلومة القد في تشبيهه غصنًا ... مظلومة الريق في تشبيهه ضربا
الضرب: العسل الثخين، وقيل: هو الشهد.
يقول: من شبه قدها بالغصن، فقد ظلمها؛ لأن قدها أحسن وأقوم، ومن شبه ريقها بالعسل، فقد ظلمها؛ لأنه أطيب وأحلى منه. وإنما قال ذلك: لأنه وضع التشبيه في غير موضعه.
بيضاء تطمع فيما تحت حلتها ... وعز ذلك مطلوبًا إذا طلبا
ما تحت حلتها: يعني جسمها. وقوله: بيضاء إشارة إلى أنها مخدرة منعمة، لا تبرز للشمس، ولا تكد في العمل، وإشارة إلى نقائها من الدنس والريب، بل هي عفيفة ترد يد طالبها عنها.
يقول: هي تطمعك في نفسها بلين كلامها، فإذا طلبتها وجدتها أعز مطلوب. ومثله قول الآخر:
يحسبن من لين الحديث زوانيا ... ويصدهن عن الخنا الإسلام
كأنها الشمس، يعيى كف قابضه ... شعاعها ويراه الطرف مقتربا
يقول: كأنها من قربها وبعد منالها الشمس، فإنك ترى شعاعها قريبًا منك، فإن أردت أن تقبض عليه، لم يمكنك! فكذلك هذه المرأة. ومثله قول أبو عينية:
فقلت لأصحابي هي الشمس ضوءها ... قريب ولكن في تناولها بعد
ومثله للآخر:
فأصبحت مما كان بيني وبينها ... سوى ذكرها كالقابض الماء باليد
مرت بنا بين تربيها فقلت لها: ... من أين جانس هذا الشادن العربا؟
الشادن: الغزال إذا كبر.
يقول: مرت بنا هذه الجارية بين جاريتين متساويتين في السن حياءً من أن تمر بنا وحدها، فاستخفت بهما، فعرفتها لفضل حسنها فقلت لها: أنت غزال فكيف شابه الغزال العرب؟! أو كيف اجتمع الغزال مع العرب؟؛ لأنها غزال والتربان من العرب
فاستضحكت ثم قالت: كالمغيث يرى ... ليث الشرى وهو من عجلٍ إذا انتسبا
فاستضحكت: أي ضحكت. والشرى: موضع ينسب إليه الأسود.
يقول: لما قلت لها، من أين جانس هذا الشادن العرب؟! ضحكت من قولي. وقالت: هذا ليس ببعيد؛ كما أن المغيث يرى كأنه ليث الشرى وهو مع ذلك من بني عجلٍ، فكذلك أنا.
جاءت بأشجع من يسمى وأسمح من ... أعطى وأبلغ من أملي ومن كتبا
التأنيث في جاءت: يرجع إلى عجل؛ لأنه قبيلة. والأولى أنه فعل الأعرابية.
يقول: جاءت هذه المرأة أو هذه القبيلة بأشجع من يدعى ويسمى من الناس وأسخاهم وأبلغهم في الإملاء والكتابة. يصفه بالشجاعة، والسخاء، والبلاغة، يدًا ولسانًا.
لو حل خاطره في مقعدٍ لمشى ... أو جاهلٍ لصحا أو أخرس خطبا
يقول: إن خاطره لو حل في زمن أزال عنه زمانته حتى يمشي، ولو حل في جاهل لصحا من جهله، ولو حل في أخرس لصار خطيبًا بليغًا.
إذا بدا حجبت عينيك هيبته ... وليس يحجبه سترٌ إذا احتجبا
يقول: إنه إذا ظهر للناس من الحجاب، حجبت عينيك هيبته فلا تقدر أن تنظر إليه لجلالته، فكأنه محتجب، وهو كما قال الفرزدق:
1 / 82