يقول: هذه البحيرة ناعمة الجسم؛ لأنها ماء، ولا شيء ألين من الماء. وقوله: لها بنات. أراد به: السمك الذي فيها، وليس لها رحم، وقيل: أراد به السفن. والأول أليق.
يبقر عنهن بطنها أبدًا ... وما تشكى ولا يسيل دم
يبقر: أي يشق، وعنهن: أي عن البنات. وتشكى: أصله تتشكى فحذف إحدى التاءين.
يقول: يشق بطن هذه البحيرة عن بناتها التي هي السمك، أي يصطاد منها السمك، ولا تشتكي من ذلك ولا تتألم ولا يسيل منها دم، وإن حملناها على السفن، فمعناه أي يشق بطنها عن هذه السفن، وعلى الأول قول ابن الرومي:
بنات دجلة في فنائكم ... مأسورة في كل معترك
تغنت الطير في جوانبها ... وجادت الروض حولها الديم
جادت: مطرت عليها مطر الجود.
يقول: الطير تتغنى في جوانب هذه البحيرة، والرياض التي حولها مهتزة، والديم فاعل جادت مفعولها الروض.
فهي كماويةٍ مطوقةٍ ... جرد عنها غشاؤها الأدم
الماوية: المرآة. وغشاؤها: رفع لأنه اسم ما لم يسم فاعله. والأدم: بدل من الغشاء. شبه هذه البحيرة بالمرآة، ورياضها حولها بالطوق الذي يكون حول المرآة، وقيل شبهها في استدارتها بالمرآة، ورياضها حولها بالطوق الذي يكون حول المرآة، وقيل شبهها في استدارتها بالمرآة المطوقة. وقوله: جرد عنها غشاؤها الأدم. قيل: حشو لإتمام البيت، لا فائدة فيه. وقيل: أراد توكيد صفائها، فكأنه قال: كأنها مرآة مطوقة ساعة ما تجرد من غشائها. كما يقال: هذا ثوب حل من الورقة. وقوله الأدم: قيل مع هذا، إنه لا فائدة له. والأولى: أنه بدل.
يشينها جريها على بلدٍ ... يشينه الأدعياء والقزم
الكناية في يشينها: للبحيرة. وفي يشينه: للبلد. والقزم: سقاط الناس، ورذلهم.
يقول: ليس لهذه البحيرة عيب، غير أنها تجري في بلدٍ أهله سقاط.
فقد اشتمل البيت على مدح البحيرة ومدح البلد الذي تجري عليه، وذم أهله.
أبا الحسين استمع فمدحكم ... في الفعل قبل الكلام منتظم
يقول: إن أفعالكم تمدحكم وتثني عليكم، فمدحكم منتظم في أفعالكم، قبل مدح المادحين إياكم بالكلام والشعر. أي شيمكم تمدحكم.
وقد توالى العهاد منه لكم ... وجادت المطرة التي تسم
العهاد: مطر. جمع عهدة، والوسمى: هي المطرة في أول السنة. والهاء في منه: قيل للممدوح. وقيل للممدوح الذي جرى في البيت الذي قبله.
يقول: على الأول مخاطبًا لقبيلة الممدوح، قد توالى من هذا الممدوح لكم الإحسان، وكساكم الثناء، فأحسن إليكم، وحسن حالكم به كما تحسن الأرض حين يسمها المطر بالنبات. وعلى الثاني يقول: قد توالى مدحكم كتوالي العهاد بعضها في إثر بعض، وجادت بمدحكم المطرة التي تسم الأرض بالنبات. شبه. مدحه لهم بالأمطار المتواترة.
أعيذكم من صروف دهركم ... فإنه في الكرام متهم
يقول: أعيذكم بالله من صروف الدهر، فإنكم كرام، وهو متهم بالإساءة إلى الكرام، ولا يؤمن على قصده إياكم بالمكاره.
وقال يمدح المغيث بن علي بن بشر العجلي:
دمعٌ جرى فقضى في الربع ما وجبا ... لأهله وشفى أنى؟ ولا كربا
أنى: بمعنى كيف؟ أو من أين؟ وكرب: أي قارب.
يقول: دمعي جرى في ربع المحبوبة، فقضى لأهله ما وجب لهم من الحق، وشفاني من وجدي، ثم رجع عما أعطى فقال: أنى ولا كربا؟ أي كيف أنه قضى الواجب وشفى الوجد، وهو لم يفعل ذلك؟! لأنه قارب أن يفعل ما هو شفائي وقضاء بحقهم ومثله قول الآخر:
قف بالديار التي لم يعفها القدم ... بلى وغيرها الأرواح والديم
عجنا فأذهب ما أبقى الفراق لنا ... من العقول وما رد الذي ذهبا
يقول: عطفنا على هذا الربع، وقد كان الفراق قد أبقى بعض عقولنا، طمعًا في أن يرده علينا فأذهب الربع هذه البقية، وما رد الذي أذهبه الفراق!
سقيته عبراتٍ ظنها مطرًا ... سوائلًا من جفونٍ ظنها سحبا
فاعل ظنها في الموضعين: ضمير الربع. والهاء في الأولى: للعبرات. وفي الثانية: للجفون.
يقول: سقيت هذا الربع دموعًا سائلاتٍ من جفوني، حتى ظن الربع أن هذه العبرات مطرًا، وأن جفوني سحبٌ ماطرة: وهي جمع سحاب.
دار الملم بها طيفٌ تهددني ... ليلًا فما صدقت عيني ولا كذبا
الإلمام: زيارة الطيف. والألف واللام في الملم بمعنى: التي.
1 / 81