يقول: إن أوعدوا أعداءهم فهلاكهم حاضر مقرون به، وإن نطقوا فجميع كلامهم صواب وحكم وقيل: أراد بقوله: برقوا، أنهم إن لمعوا في الدروع والبيض عند الحرب، قتلوا أعداءهم فيكون كقوله:
ويحمل الموت في الهيجاء إن حلو
أو حلفوا بالغموس واجتهدوا ... فقولهم: خاب سائلي القسم
اليمين الغموس: التي تغمس صاحبها في الإثم. وفي الحديث اليمين الغموس تدع الديار بلاقع ومثله للطائي:
وبلاقعًا حتى كأن قطينها ... حلفوا يمينًا بالهلاك غموسا
يعني: كأن سكان الأطلال حلفوا يمينًا غموسًا، فعوقبوا، بكون ديارهم بلاقع.
وقولهم مبتدأ، وخاب سائلي في موضع النصب لأنهم مفعول وقع عليهم قولهم والقسم خبر الابتداء.
يقول: إنهم إذ حلفوا واجتهدوا في اليمين، فأعظم يمينهم أن يقول: خاب سائلي إن فعلت كذا. ومثله قول الآخر:
بقيت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس
أو ركبوا الخيل غير مسرجةٍ ... فإن أفخاذهم لها حزم
يقول: إذا ركبوا الخيل غير مسرجةٍن شدوا أفخاذهم عليها فتجري أفخاذهم مجرى الحزم؛ لثباتهم في الفروسية واعتيادهم ركوب الخيل.
أو شهدوا الحرب لاقحًا أخذوا ... من مهج الدارعين ما احتكموا
اللاقح: الشديد.
يقول: إذا حضروا الحرب في حال شدتها، أخذوا من نفوس المعلمين ما احتكموا، أو أرادوا.
تشرق أعراضهم وأوجههم ... كأنها في نفوسهم شيم
الأعراض: الأجسام وما يذكر به الرجل من مدح أو ذم.
يقول: أجسامهم ووجوههم مضيئة كشيم نفوسهم، فكأنها أخلاق أنفسهم في الإضاءة والخلوص من الشوائب. ومنه قول الآخر:
أضاءت لهم أجسامهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
لولاك لم أترك البحيرة وال ... غور دفىءٌ وماؤها شبم
البحيرة: تصغير البحر في الأصل، وإنما أنث لأنه أراد به: بحيرة الشام وطبرية، والهاء فيه لازمة له؛ لأنه اسم هذا الموضع وصار علمًا كحمزة وطلحة. والغور موضع بالشام. وقيل معناه: لولاك لم أترك البحيرة ولم أترك ماءها البارد، وكذلك لم أفارق الغور؛ مع أنه مكان طيب دفىء، وإنما فارقت هذه المواضع؛ مع أنها طيبة لأجلك. وقيل: الغور موطن الممدوح فيقول: لولا قصدك لم أترك البحيرة، وهي طيبة، وماؤها عذب، ولم أقصد الغور، مع أنه دفىء خالٍ من الطيب، لكن فضلك وكرمك وحبي لك، حملني على ذلك.
والموج مثل الفحول مزبدةٌ ... تهدر فيها وما بها قطم
الموج: قد يكون واحدًان اسم للجنس، وقد يكون جمع موجة، ولهذا شبهه بالفحول، والمزبدة: التي حصل لها زبد، وهو الفقاعة التي تكون فيه، إذا ضربته الريح، وتهدر: أي تصوت، والهاء في ما بها: للموج. أنثها لتأنيث الجماعة، والقطم: شهوة الضراب. شبه موج البحيرة في اضطرابه، بالفحول إذا هاجت.
يقول: إن موجها مثل الفحول، مزبدة مصوتة، فكأنها فحول هائجة للضراب، غير أنها ليس لها شهوة الضراب.
والطير فوق الحباب تحسبها ... فرسان بلق تخونها اللجم
حباب: الماء طرائقه. وفرسان بلق: أراد به الخيل البلق، شبه بياضها ببياض الماء، وسوادها بالسواد الي يحصل من ظلمة اضطراب الموج، وشبه تصرف الموجة على غير مراد الطائر، بالخيل عند انقطاع لجمها.
يقول: إن الطير فوق حباب هذا الموج، في أنه يمضي بها يمينًا وشمالًا على غير فقد منها، كأنها فرسان خيل بلق، قد خانتها اللجم بالانقطاع. شبه الزبد بالخيل البلق؛ لأنه أبيض يابس يضرب إلى الخضرة.
كأنها والرياح تضربها ... جيشا وغىً: هازمٌ ومنهزم
الهاء في كأنها: للبحيرة، أو للموج الذي هو جمع موجة، أو للطير. شبه أحد هذه الأشياء، إذا ضربتها الريح بجيشين: أحدهما هازم، والآخر منهزم.
كأنها في نهارها قمرٌ ... حف به من جنانها ظلم
شبه البحيرة وصفاء سمائها، بالقمر. وشبه الجنان، بشدة خضرتها. والمناسبة للسواد بظلم الليل. وقوله: في نهارها قمر: تشبيه بديع، وهو أن يجتمع الليل والقمر في النهار، والغرض وصف مائها بالصفاء، وبساتينها بالخضرة.
ناعمة الجسم لا عظام لها ... لها بناتٌ وما لها رحم
1 / 80