يرعيك سمعًا أي يصغي إليك. يقال: أرعني سمعك أي استمع مني واجعل سمعك راعيًا، أو مراعيًا لقولي. وقيل معناه: اجعل سمعك مرعىً لكلامي ومكانًا له والداعي: أراد به الداعي حقيقة.
يقول: إنه يصغي إلى المستغيث سمعًا وعادته الإصغاء إلى كل من يدعوه، ولكنه عن الفحش والقبيح أصم: أي يعرض عنه، ولا يصغى إليه، فكأنه أصم لا يسمع ذلك.
يريك من خلقه غرائبه ... في مجده كيف يخلق النسم؟!
يريك: تعدى إلى ثلاثة مفاعيل، أحدها. الكاف، والثاني غرائبه، والثالث كيف، وهو في موضع النصب، وهو في معنى يعلمك. والنسم: جمع نسمة، وهي النفس.
يقول: يريك هذا الممدوح إذا نظرت إليه وهو يخلق غرائب كرمه، ويبتدع محاسن شيمه، التي لم يسبق إليها، كيف يخلق الله الخلق على غير احتذاء ولا مثال. يعني: أنه يصطنع من أهلكه البؤس، حتى صار كالمعدوم فيحسن إليه وينعم عليه، حتى يحسن حاله؛ فكأنه أوجده بعد عدمه، فإذا رأيت ذلك، استدللت به على قدرة الله تعالى، على إيجاد الشيء بعد أن لم يكن.
ملت إلى من يكاد بينكما ... إن كنتما السائلين ينقسم
يخاطب صاحبه ويقول: عدلت إلى زيارة من لو جئتما يا صاحبي تسألانه نفسه يقسمها بينكما، فيكون نصفه مع أحدكما، ونصفه مع الآخر؛ ليبلغ كل واحد إلى أمله. وأصله قول أبي تمام:
لو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله
من بعد ما صيغ من مواهبه ... لمن أحب الشنوف والخدم
الشنف: ما يجعل في أعلى الأذن، والقرط: ما يجعل في أسفله. والخدم: جمع خدمة: وهي الخلخال.
يقول: لم أقصده إلا بعد أن سبقت إلي مواهبه، وأغناني بها، وصيغ لي منها لمن أحبه من امرأتي وجاريتي ومحبوبتي ومن يتصل إلى الشنوف والخلاخيل، وفي هذا إشارة إلى أنه قد أغناه بمواهبه قبل وصوله إليه؛ لأن الإنسان لا يصوغ أنواع الحلي إلا بعد الغنى والكفاف.
ما بذلت ما به يجود يدٌ ... ولا تهدي لما يقول فم
تقديره: ما بذلت يد ما به بجود، ولا يهتدي فمٌ لما يقول.
ما الأولى نافية، والثانية، والثالثة، بمعنى: الذي.
يقول منبهًا على فضله وعطاياه، وفصاحته: لم يبذل إنسيٌّ الذي يجود به هذا الممدوح، ولم يهتد فم أحد للقول الذي يقول هو، لما يختص به من زيادة الجود والفصاحة.
بنو العفرني محطة الأس ... د ولكن رماحها الأجم
العفرني: اسم من أسماء الأسد، والأنثى: عفرناة. ومحطة: جد الممدوح. وبنو: رفع بالابتداء، والعفرني: جر بالإضافة. ومحطة: بدل من العفرني، وهو في موضع الجر. والأسد: جر لأنه نعت لمحطة، وجميع ذلك كاسم واحد مبتدأ، والأسد خبر الابتداء، كما تقول: بنو أبي عبد الله حمزة الظريف، منطلقون.
يقول: إن محطة جدهم، هو الأسد، وبنوه الأسود، إذ أولاد الأسود تكون أسودًا، ثم فصل بينهم وبين الأسد الحقيقي، الذي هو من البهائم، وبين أن رماحهم قائمة لهم مقام الأجم للأسود.
قوم بلوغ الغلام عندهم ... طعن نحور الكماة لا الحلم
يقول: هم قوم لا يعدون فيهم بالغًا، إلا إذا طعن من نحور الشجعان، فأما مجرد الاحتلام، في ملابسة الحروب فلا يعدونه بلوغًا. ومثله لبعض العرب:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ... ولكن فتى الفتيان كل فتى بدا
كأنما يولد الندى معهم ... لا صغرٌ عاذرٌ ولا هرم
يقول: إنهم عرفوا بالجود، فكأنهم ولدوا على تركة أحدهم منه، سواء كان طفلًا، أو شيخًا، فلا يعذرهم صغرهم ولا كبرهم.
إذا تولوا عداوةً كشفوا ... وإن تولوا صنيعةً كتموا
يقول: إنهم عادوا أظهروا العداوة لقوتهم وجرأتهم، وإن أعطو أحدًا، أخفوا ذلك؛ ليكون أدل على الكرم وأبعد من الامتنان.
تظن من فقدك اعتدادهم ... أنهم أنعموا وما علموا
يقول: تظن أيها المخاطب من قلة اعتدادهم بالنعم وامتنانهم بها، أنهم أنعموا غافلين، وما علموا بما أنعموا، ومثله لابن الرومي:
أيها السيد الذي لا تنفك ... ك أياديه عندنا موصولة
فهي معروفة لدينا وإن كا ... نت لديه مجحودة مجهولة
إن برقوا فالحتوف حاضرةٌ ... أو نطقوا فالصواب والحكم
برقوا: أي أوعدوا، أو برق: إذا لمع.
1 / 79