يقول: ما تركوا الإمارة اختيارًا، بل غصبتهم عليها، وما ادعوا ودك من اعتقاد قلوبهم، بل نفاقًا في حبك.
ولا استفلوا لزهدٍ في التعالي ... ولا انقادوا سرورًا بانقياد
يقول: ما انخفضوا لك لزهدهم في العلو، ولا انقادوا لك سرورًا بالانقياد، لكنهم انقادوا خوفًا
ولكن هب خوفك في حشاهم ... هبوب الريح في رجل الجراد
يقول: هب خوفك في قلوبهم فطيرها، كما تهب الريح في قطعة من الجراد فتبددها.
وماتوا قبل موتهم فلما ... مننت أعدتهم قبل المعاد
يقول: وإنهم ماتوا خوفًا منك، ولما صاروا كالموتى، فكأنهم ماتوا قبل الموتة، حتى إذا مننت عليهم أعدتهم قبل يوم القيامة بعفوك عنهم.
غمدت صوارمًا لو لم يتوبوا ... محوتهم بها محو المداد
يقول: كانوا قد ماتوا فأعدتهم قبل المعاد! بأن غمدت سيوفك عن قتلهم بها ولو لم يرجعوا عن معصيتك لمحوتهم كما ينمحي المداد من الألواح.
وما الغضب الطريف وإن تقوى ... بمنتصفٍ من الكرم التلاد
يقول: إن غضبك المستحدث وإن كان قويًا فلا يؤثر في كرمك الأصلي القديم، فلا يمكنه أن يغلب كرمك المتين.
فلا تغررك ألسنةٌ موالٍ ... تقلبهن أفئدةٌ أعادي
الموالي: هم الأصدقاء، وقد راعى فيه المطابقة، وجمع التأنيث في تقلبهن للألسنة.
يقول: لا تغتر بإظهارهم لك المولاة بألسنتهم فإن ألسنتهم وأفئدتهم مضمرةٌ للعداوة، فتغلب ألسنتهم قلوبٌ مضمرة على العداوة، فلا تغتر بظاهر أحوالهم.
وكن كالموت لا يرثي لباكٍ ... بكى منه ويروي وهو صادي
فاعل بكى: ضمير باكٍ.
يقول: كن كالموت لا يرحم، ولا يرق لباكٍ، يبكي من يده وفعله، ويروي الموت وهو عطشان بعد الري، فيزداد عطشًا.
فإن الجرح ينفر بعد حينٍ ... إذا كان البناء على فساد
نفر الجرح: إذا تورم وظهر من أسفله فساد.
يقول حاثًا له على قتل الباقين منهم: أضمروا العداوة، ويتربصون بك الدوائر فلا تغتر بإظهارهم المودة، فإنهك كالجرح إذا كان اندماله على فساد، وغور فيه، فإنه يظهر غوره بعد حين، فكذلك حالهم معك.
وإن الماء يجري من جمادٍ ... وإن النار تخرج من زناد
أراد بالجماد: الحجر.
يقول: لا تأمن إظهار أحوالهم، فقد يجري الماء من الحجر الصلد، وكذلك النار التي تحرق كل شيء تخرج من الزناد الحديد.
وكيف يبيت مضطجعًا جبانٌ ... فرشت لجنبه شوك القتاد؟
يقول: كيف ينام عدوك وهو جبان، مضطجعًا على فراش من قتاد: يعني أن خوفك قد أثر تأثيرًا به، حتى كأنه نائم على شوك القتاد، هيبةً منك، وقد يحصل من الجبان بعض أحوالٍ لا تحصل من الشجاع ضرورة خوفًا، ويجوز أن يكون توحيد الجبان لأنه أراد: أميرهم.
يرى في النوم رمحك في كلاه ... ويخشى أن يراه في السهاد
يقول: يرى هذا الجبان رمحك أصابت كلاه في نومه، فخاف أن يرى في اليقظة ما يراه في النوم، فلا يلذ له نوم أبدًا، لذلك.
أشرت أبا الحسين بمدح قومٍ ... نزلت بهم فسرت بغير زاد
يقول: أشرت إلي أن أمدح قومًا نزلت بهم فما أكرموني وخرجت من عندهم بغير زاد، فهل ترى أن أمدح من هذا فعله؟!
وظنوني مدحتهم قديمًا ... وأنت بما مدحتهم مرادي
كأنه قد كان قصدهم قبل قصده الممدوح، ومدحهم فلم يثيبوه شيئًا.
يقول: إنهم ظنوا أني مدحتهم، وما علموا أنك كنت أنت المقصود بذلك المدح.
وقيل: إنه مدحهم بعدما أمره به هذا الممدوح، فلم يعطوه، فقال للمدوح: أنت أمرتني بمدحهم فيجب عليك أن تخرج ثواب مدحي لهم، وكنت ضامنًا وقد أخذ هذا المعنى من قول الحكمي:
وإن جرت الألفاظ يومًا بمدحه ... لغيرك إنسانًا فأنت الذي نعني
وإني عنك بعد غدٍ لغادٍ ... وقلبي عن فنائك غير غاد
يقول: إني غادٍ عنك بعد غدٍ، وقلبي غير مرتحل عن فنائك. ومثله لأبي تمام:
مقيم الظن عندك والأماني ... وإن قلقت ركابي في البلاد
محبك حيثما أتجهت ركابي ... وضيفك حيث كنت من البلاد
يقول: حيثما سرت ونزلت، فإني محبك، وحيثث كنت من البلاد فإني ضيفك، لأن عطاياك عظيمة وأياديك غير منقطعة ولا فانية. ومثله لأبي تمام قوله:
وما طوفت في الآفاق إلا ... ومن جدواك راحلتي وزادي
1 / 73