وأبعد بعدنا بعد التداني ... وقرب قربنا قرب البعاد
بعدنا، وقربنا: مفعول بهما. وبعد التداني، وقرب البعاد: منصوبان على المصدر.
يقول: إن المسير أبعد بعدنا، فجعله كبعد التداني الذي كان بيننا، وكذلك قرب المسير قربنا، مثل قرب البعد الذي كان بيننا من قبل. يعني أبعد البعد وقرب القرب.
فلما جئته أعلى محلى ... وأجلسني على السبع الشداد
يقول: لما قصدته بعد هذا التعب، رفع منزلتي وأحسن جائزتي حتى إنه رفعني إلى السموات السبع وأجلسني فوقها.
تهلل قبل تسليمي عليه ... وألقى ماله قبل الوساد
يقول: لقيني بطلاقة وجهه، وتبسمه، قبل أن أسلم عليه، وألقى إلي ماله قبل إلقاء الوسادة التي يجلسني فوقها.
نلومك يا علي لغير ذنبٍ ... لأنك قد زريت على العباد
يقول: يا علي، نلومك ولا ذنب لك، غير أنك قصرت وعبت على الناس بأفعالك وخصالك، فليس ذلك بذنب، وإنما هو فضلٌ منك وكرم.
وأنك لا تجود على جوادٍ ... هباتك أن يلقب بالجواد
هباتك: رفع لأنها فاعلة تجود. وتقديره: لا تجود هباتك على جواد أن يلقب كذلك بالجواد.
يقول: إن هباتك أبت أن يقلب أحدٌ بالجواد غيرك؛ لأنها فاقت هبات غيرك، حتى أخرجت جود الناس عن كونه جوادًا، وهذا مثل قول بعض الشعراء:
رد معروفك الكثير قليلًا ... وأرى جودك الجواد بخيلًا
كأن سخاءك الإسلام؛ تخشى ... متى ما حلت عاقبة ارتداد
يقول: إنك من شدة مواظبتك على السخاء صار سخاؤك كالإسلام، لا تحول عنه، كما لا تحول عن الإسلام؛ خوفًا من عاقبة الارتداد؛ لأن عاقبته مذمومة، يجب على كل أحد التجنب منه؛ لأنه يلزمه في الدنيا: القتل، وفي الآخرة: العذاب الدائم. ومثله لأبي تمام.
مضوا وكأن المكرمات لديهم ... لكثرة ما أوصوا بهن شرائع
كأن الهام في الهيجا عيونٌ ... وقد طبعت سيوفك من رقاد
يقول: كأن هام أعدائك عيونٌ، وسيوفك مضروبة من النوم، فلا يكون مسكنهاإلا في الهامات، كسكون النوم في العين.
وقد صغت الأسنة من هموم ... فما يخطرن إلا في فؤاد
روى صغت وصغت. وروى: يخطرن بالكسر أي الرماح وبالضم الهموم، يقال: خطر الرمح. ويخطر، وخطر الشيء بالقلب يخطر، كأنك قد ضربت أسنة رماحك من الهموم؛ لأن محلها القلوب، كما أن محل الهموم القلوب.
والمعنى: أن قلوب الأعداء لا تخلو من أسنة رماحك، كما لا تخلو من الأحزان والهموم.
ويوم جلبتها شعث النواصي ... معقدة السبائب للطراد
الكناية في جلبتها: للخيل ولم يجر لها ذكر، لدلالة الكلام عليه. ومعقدة السبائب: أي مضفورة الشعر للذنب.
يقول: في اليوم الذي حشرت الخيل وأتيت بها مشعثةً نواصيها معقدة أذنابها، لأنها كانت مهيأة للحرب.
وحام بها الهلاك على أناس ... لهم باللاذقية بغي عاد
الهاء في بها: للخيل، أي بسبب الخيل.
يقول: وطاف الهلاك بهذه الخيل على قوم كان لهم بغي عاد باللاذقية.
فكان الغرب بحرًا من مياهٍ ... وكان الشرق بحرًا من جياد
يقول: كان الأعداء بين البحرين، غريبها بحر الشام، وشرقيها بحر من جياد: وهو جيش الممدوح شبهه بالبحر لكثرته، ولبياض الحديد وبريقه فيهم وقيل: أراد بالبحر من المياه، دماء القتلى. فبين أنها لكثرتها كبحرالماء، والجانب الشرقي من عتاق الخيل.
وقد خفقت لك الرايات فيه ... فظل يموج بالبيض الحداد
الضمير في فيه: يرجع إلى البحر من جياد.
يقول: تحركت أعلامك في البحر من الجياد فكان يموج بالسيوف البيض المحددة شبه بياض السيوف بماء البحر.
لقوك بأكبد الإبل الأبايا ... فسقتهم وحد السيف حاد
الأبايا: جمع الأبية، وهي التي لا تنقاد، وتمنع أنفسها من الخطام.
يقول: إن أعداءك رأوك بأكباد غلاظ كأكباد الإبل الأبية، التي لا تنقاد لصعوبتها. فسقتهم مع غلظ أكبادهم ونحوتهم وحد سيفك حادٍ بهم وسائقهم.
وقد مزقت ثوب الغي عنهم ... وقد ألبستهم ثوب الرشاد
يقول: قاتلتهم حتى انقادوا، وكشفت عنهم ثوب الضلالة، وألبستهم ثوب الرشاد والحق، فصاروا راشدين بعد أن كانوا غاوين.
فما تركوا الإمارة لاختيارٍ ... ولا انتحلوا ودادك من وداد
1 / 72