يقول: كأن هذه الكواكب في ظلمات هذه الليلة الطويلة نساء بيض الوجوه قد كشفن وجوههن، ولبسن ثيابًا سودًا. فشبه الكواكب بوجوه الجواري السافرات، وشبه الليل في سواده بالثياب السود التي تلبسها الجواري.
أفكر في معاقرة المنايا ... وقود الخيل مشرفة الهوادي
معاقرة المنايا: أي ملازمتها. وقيل: معاقرتها: محاربتها، من العقر. والهوادي: جمع الهادية، وهي العنق. ومشرفة: نصب على الحال.
يقول: طال علي هذا الليل مما أفكر في ملازمة المنايا وممارستها في الحروب والإقدام على القتال، ولذلك أفكر في قودي الخيل إلى الحرب مشرفة الأعناق. وقيل: معناه لا أفكر في معاقرة المنايا.
زعيمًا للقنا الخطي عزمي ... بسفك دم الحواضر والبوادي
زعيمًا: نصب على الحال من أفكر، وذو الحال: عزمي، والعزم: هو الكفيل. والقنا: المكفول له. وسفك دماء الحواضر والبوادي: المكفول به. والمكفول عنه: هو أبو الطيب.
يقول: أفكر في حال كوني زعيمًا للرماح بأن تسفك دماء الناس كلهم، أهل الحضر وأهل البدو. وعلى إضمار لا في قوله: أفكر معناه لا أفكر في معاقرة المنايا مع تكفل عزمي بسفك دم الأعداء.
إلى كم ذا التخلف والتواني؟ ... وكم هذا التمادي في التمادي؟
التمادي: هو الإفراط في الأمور، وهو من المد، أو أراد ها هنا الإفراط في تأخيرها.
يقول لنفسه: إلى كم هذا التخلف والتقصير في طلب العز، واقتناء المكارم، وإلى كم تستعمل التمادي في التقصير وتتمادى تماديًا بعد تمادٍ.
وشغل النفس عن طلب المعالي ... ببيع الشعر في سوق الكساد
الشغل: بالفتح المصدر، وبالضم، الاسم. وها هنا بالفتح.
يقول: معاتبًا لنفسه إلى كم تشغل نفسك عن طلب المعالي؛ بأن تبيع الشعر في سوق الكساد وتقتصر عليه دون ما هو أجل منه، فأنت تجيد الشعر ولا تصيب الصلة التي تستحقها بشعرك.
وما ماضي الشباب بمستردٍ ... ولا يومٌ يمر بمستعاد
يقول حاثًا لنفسه على لزوم الكائن قبل فوته: إن الشباب إذا مضى، وهو الزمان الذي لا يمكن تحمل المشاق في طلب المعالي لا يمكن رده، فكذلك اليوم الذي يمر لا يمكن إعادته! سواءٌ كان من أيام الشباب أو غيرها. وروى بمستفاد بالفاء أيضًا.
متى لحظت بياض الشيب عيني ... فقد وجدته منها ف يالسواد
عيني: رفع لأنه فاعل لحظت والهاء في وجدته: لبياض الشيب، وفي منها: للعين.
يقول: إذا رأت عيني بياض شعري، فكأنما وجدت ذلك البياض في كراهته عليها كأنه في سوادها؛ لأن البياض في سواد العين يكون عمي، وهو من أثقل الأشياء، فكذلك الشيب.
متى ازددت من بعد التناهي ... فقد وقع انتقاصي في ازدياد
يقول: متى ازددت في السن، بعد تناهى الأشد وذلك أربعون سنة كانت تلك الزيادة نقصانًا، لأنه كلما ازداد السن بعد انتهاء الغاية، ازداد الجسم نقصًا، فتكون زيادتي حاصلة في نقصان سني.
أأرضى أن أعيش ولا أكافي ... على ما للأمير من الأيادي؟!
يقول: هل أرضى بملازمتي هذا التقصير والتخلف، ولا أجازي هذا الأمير على ما أسدى إلي من النعم بمدحي إياه؟!
جزى الله المسير إليه خيرًا ... وإن ترك المطايا كالمزاد
المزاد: جمع المزادة. يصف المشقة التي مرت عليه وعلى إبله في المسير إلى هذا الممدوح، ودل بالدعاء للمسير: على أنه لم يذكره على سبيل الشكاية، وإنما ذكره على سبيل الشكر، حيث أوصله إليه فاكتسب بسببه فخرًا ومالًا وذخرًا، وشبه الإبل. وهزالها بالمزاد: وهي القرب البالية، وهذا التشبيه جيد. وقيل: إنه أراد أن المسير ترك المطايا خالية من القوت واللحم، لطول سفرنا كمزادنا الخالية من الزاد، فتكون الألف واللام في المزاد دالة على الإضافة.
فلم تلق ابن إبراهيم عنسى ... وفيها قوت يومٍ للقراد
عنسى: رفع لأنها فاعلة تلق.
يقول: إن ناقتي لم تلق ابن إبراهيم، إلا بعد أن صارت من الهزال بحال لم يبق فيها من اللحم قدر ما يقتاته القراد يومًا واحدًا!
ألم يك بيننا بلدٌ بعيدٌ ... فصير طوله عرض النجاد؟!
يقول: كان بيني وبين هذا الممدوح بلد بعيدٌ، فصير هذا المسير طوله الطويل، كعرض النجاد في القصر، وقربه غاية القرب. وفيه التطبيق للمبالغة في الجودة.
1 / 71