يقول: إذا شرب غيري الكأس، وهي الخمر، فأرعشت يديه من السكر، صحوت أنا، فلم تحجز الخمر بيني وبين عقلي. فأجرى العقل مجرى النفس؛ لأن قيام النفس بالعقل. وقيل: أراد لم تحل بيني وبين جدي؛ لأن جدي لا يفارقني أبدًا.
هجرت الخمر كالذهب المصفى ... فخمري ماء مزنٍ كاللجين
يقول: تركت الخمر التي تشبه الذهب المصفى في لونها، وعدلت إلى الماء الصافي، الذي يشبه لونه الفضة لصفائه.
أغار من الزجاجة وهي تجري ... على شفة الأمير أبي الحسين
روى: أغار من المدامة.
يقول: أحسد أقداح الخمر إذا جرت على شفته حيث تتشرف به فأتمنى ذلك الشرف لي دونها.
وقيل: إنما أغار عليها لكون الشراب كان أسوادًا، فنزه شفته عنها والقصة تدل على ذلك.
كأن بياضها والراح فيها ... بياضٌ محدقٌ بسواد عين
شبه بياض الزجاجة ببياض العين، والشراب الأسود بسواد العين، وحقق التشبيه بإحداق البياض بسواد العين، كإحداق الزجاجة بسواد الشراب.
أتيناه نطالبه برفدٍ ... فطالب نفسه منه بدين
يقول: أتينا الممدوح نطلب منه العطاء، فطالب نفسه بدين لازم. يعني: إنه أوجب على نفسه العطاء؛ لجوده وسخائه.
وشربها فقال:
مرتك ابن إبراهيم صافية الخمر ... وهنئتها من شاربٍ مسكر السكر
مرتك أصلها: مرأتك، فحذف الهمزة ضرورة. والثاني أنه كان ينبغي أن يقول: أمرأتك؛ لأن هذه اللفظة على الانفراد لا تستعمل إلا بالألف، فإذا أتبعت هناك جاز استعمالها من غير الألف. فهو شاذ من وجهين.
يقول: جعل الله لك هذه الخمرة هنيئة مريئة لك، يا من يسكر السكر. يعني: لا يغلبه السكر بشرب الخمر بل يغلب هو السكر.
رأيت الحميا في الزجاج بكفه ... فشبهتها بالشمس في البدر في البحر
الحميا: اسم من أسماء الخمر.
يقول: رأيت الخمر في الزجاج على يده، فشبهت الخمر؛ لصفائها ورقتها وضيائها بالشمس، وشبهت بالزجاج بالبدر؛ لبياضه ونقائه، وشبهت كفه بالبحر؛ لكثرة سخائه وعطاياه.
إاذ ما ذكرنا جوده كان حاضرًا ... نأى أو دنى يسعى على قدم الخضر
اسم كان: ضمير الجود.
يقول: إن جوده في سرعته ووصوله إلى الناس كأنه يسعى على قدم الخضر، لأنه يقال: إنه لا يذكر في موضع إلا وكان حاضرًا في ذلك الموضع.
يقول: سواء كان الممدوح نائيًا أو دانيًا فإن جوده يصل إلينا في أسرع ما نريد.
وقال أيضًا يمدحه:
أحادٌ أم سداسٌ في أحاج؟ ... لييلتنا المنوطة بالتناد
أراد الاستفهام كأنه قال: أأحاد، فحذف الهمزة لدالالة قوله: أم سداسٌ. وهذا البناء للتكرار، فإذا قال: جاءني القوم أحاد، أراد به واحدًا واحدًا، وكذلك ما زاد عليه، ولا يراد به حقيقة العدد، وإنما خص السداس دون ما فوقها من سباع وغيره؛ لأن العرب لا تستعمل هذا المثال فيما فوق سداس، هذا قول بعضهم، وليس بواضح. فقد ذكر أبو حاتم: في كتاب الإبل هذا المثال فيما زاد على سداس إلى عشار. فالأولى أن يقال: إنما خص هذه لأنها ليالي الأسبوع، ومدار أيام الدنيا على هذا العدد.
يقول: إن هذه الليالي جاءت واحدة واحدة أم ستة ستة جمعت في واحدة. وقيل: إنه أراد ها هنا واحدة هذه الليلة أم ستة ليال مجموعة في واحدة؟ فكأنه يقول هذه الليلة واحدة أو ليالي الأسبوع كلها، وهي في طولها كأنها متصلة بيوم القيامة. وقوله: لييلتنا تصغير ليلة؛ وإنما صغرها مع وصفه لها بالطول؛ إشارة إلى أنها في نفسها قصيرة وإن كانت هي عنده طويلة؛ لطول سهره فيها. أو يقال: إنما صغرها على سبيل التعظيم كقول بعضهم:
دويهية تصفر منها الأنامل
وقيل: أراد بيوم التنادي: يوم الرحيل إلى الأعداء للمحاربة، وتنادى بعضهم بعضًا، ويدل على هذا قوله:
أفكر في معاقرة المنايا
فكأنه طالت عليه هذه الليلة لسهرة تفكرًا في قتل الأعداء فإذا وصل إلى مراده قصرت عليه وزال عنه السهر.
كأن بنات نعشٍ في دجاها ... خرائد سافراتٌ في حداد
سافرات: يجوز فيها الرفع صفة لخرائد، ويجوز نصبها على الحال، فتكون مكسورة. والحداد: هي الثياب السود.
1 / 70