يقول: يفدي هذا الشريف الجواد السيد، كل من على الأرض، أولهم أنا البادىء بالفداء له قبلهم. والغبراء: اسم الأرض.
لقد حال بين الجن والإنس سيفه ... فما الظن بعد الجن بالعرب والعجم
يقول: حجز سيفه بين الجن والإنس؛ فمنع الجن عن قصدهم الشر للإنس، فإذا كان تأثيره في الجن! فما الظن بالإنس؛ في دفع بعضهم عن بعض. وروى بين الجن والأمن سيفه. يعني أن سيفه أخاف الجن وأزال عنهم الأمن والسكون.
وأرهب حتى لو تأمل درعه ... جرت جزعًا من غير نارٍ ولا فحم
يقول: قد أخاف كل شيء حتى الجمادات! فلو أنه أحد النظر إلى درعه لذابت؛ خوفًا منه، من غير نار وفحم، وإن لم يكن لها تمييز وعقل.
وجاد فلولا جوده غير شاربٍ ... لقيل كريمٌ هيجته ابنة الكرم
يقول: لولا علمنا بأنه صاح مع كثرة جودٍ منه، لقلنا إنه لفرط جوده سكران، وإن الذي حمله على جوده هو سكره الذي حصل له من الخمر.
أطعناك طوع الدهر يا ابن ابن يوسفٍ ... بشهوتنا والحاسدو لك بالرغم
الحاسدو لك: أراد بهم الحاسدون لك، غير أنه حذف النون. وروى: الحاسدون على الرغم: وهو عطف على الضمير في أطعناك الذي هو النون والألف، وحسن العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير تأكيد المنفصل لطول الكلام.
يقول: أطعناك طاعة الدهر لك، وأطعناك أبد الدهر، بشهوةٍ ومحبة، والذين حسدوك أطاعوك على رغم منهم وذل.
وثقنا بأن تعطى فلو لم تجد لنا ... لخلناك قد أعطيت من قوة الوهم
كان حقه أن ينصب الياء من تعطى بأن، غير أنه سكنه ضرورةً.
يقول: لقوة ظنوننا وثقنا بأنك تعطينا، حتى لو لم تعطنا لظننا أنك قد أعطيتنا من قوة الوهم ولما شاهدنا من دوام جودك وكثرة عطاياك.
دعيت بتقريظك في كل مجلسٍ ... وظن الذي يدعو ثنائي عليك اسمي
روى: دعيت، أي سميت بمدحي لك، يعني صار اسمي: مدحي لك فقيل: هذا الذي مدح الأمير، وعلى الأول: صار اسمك مدحي إياك. وقيل: هذا الذي قيل فيه كذا. وظن الذي يدعوني ويسميني أن اسمي: الثناء عليك، فيدعوني به، فيقول: يا من أثنى على الأمير ويا مادح الأمير.
وأطمعتني في نيل ما لا أناله ... بما نلت حتى صرت أطمع في النجم
روى: أعلق بالنجم.
يقول: أطمعتني في نيل ما لا أكاد أصل إليه، حتى صرت أطمع في نيل النجم الذي يعجز عن نيله كل حي.
إذا ما ضربت القرن ثم أجزتني ... فكل ذهبًا لي مرةً منه بالكلم
يقول: أنت تضرب الطعنة الواسعة فإذا ضربت القرن ثم أردت أن تعطيني الجائزة فكل لي ملء الجراحة ذهبًا، والهاء في منه راجعة إلى القرن.
أبت لك ذمي نخوةٌ يمنيةٌ ... ونفسٌ بها في مأزق أبدًا ترمي
النخوة: الكبرياء.
يقول: ابت ذمي لك نخوتك اليمنية، وأراد به وجهين: أحدهما أن الممدوح كان يمينًا والمتنبي أيضًا ينسب إلى كندة، وهم من اليمن. فيقول: كونك من اليمن تأبى نفسي أن تذمك مع ما كان بيننا من الرحم، أو يريد: أن نخوتك في نفسك وهمتك العالية يمنعاني عن ذمي لك وعن هجوك، وكذلك يأبى ذمي لك، نفسك التي ترمي بها في كل معركة. وقيل: إنما ذكر ذلك لأنه كان متهمًا بهجو ذلك الممدوح، فأراد إزالة هذه التهمة عن نفسه بهذا القول.
فكم قائلٍ: لو كان ذا الشخص نفسه ... لكان قراه مكمن العسكر الدهم
القرى: الظهر. والدهم: الكثير.
يقول: كم من قائل يقول: لو كان نفس هذا الممدوح جسم! لكان ظهره مستقرًا للعسكر الكثير. يصف سعة نفسه وعظمها، وأن بعضها يسع الكثير من العسكر.
وقائلةٍ والأرض أعني تعجبًا ... علي امرؤٌ يمشي بوقري من الحلم
يقول: ورب قائلةٍ، وأعني بها الأرض على وجه التعجب: علي رجلٌ يمشي، عليه مثلي من الحلم!
عظمت فلما لم تكلم مهابةٌ ... تواضعت وهو العظم عظمًا عن العظم
يقول: عظم قدرك، فمنعت هيبتك أن تكلم، فلما علمت أن الناس هابوك تواضعت فتعظمت بذلك التواضع عظمًا عن العظم، وذلك التواضع هو عين العظم. يعني: التواضع رفع النفس عن التكبر.
ودخل على عليٍّ بن إبراهيم التنوخي فعرض عليه كأسًا بيده، فيها شراب أسود فقال ارتجالًا:
إذا ما الكأس أرعشت اليدين ... صحوت فلم تحل بيني وبيني
لم تحل: أي لم تمنع، وهو فعل الكأس.
1 / 69