أتنكر يا ابن إسحاق إخائي ... وتحسب ماء غيري من إنائي
يقول معاتبًا له أتنكر؟!: أي تجحد مؤاخاتي لك، بعد ما عرفتها مني، وتحسب ماء غيري من إنائي، وهو مثل يعني: تحسب ما هجيت به من شعر غيري أنه من شعري فلا تميز بين شعري وشعر غيري؟!
أأنطق فيك هجرًا بعد علمي ... بأنك خير من تحت السماء
الهجر: الكلام القبيح.
يقول: أقول فيك فحشًا، بعد ما علمت أنك خير من في الأرض وتحت السماء، وروى: أأنطق فيك هجوًا.
وأكره من ذباب السيف طعمًا ... وأمضي في الأمور من القضاء
وأكره: عطف على قوله: خير من تحت السماء.
يقول: أقول فيك فحشًا بعد علمي بأنك أكره من حد السيف طعمًا وأمضى من القضاء في الأمور!!
وما أربت على العشرين سني ... فكيف مللت من طول البقاء؟!
يقول: ما زاد سني على عشرين سنة، فكيف مللت من طول حياتي حتى أهجوك فتقتلني؛ لأني إذا هجوتك لا آمن على نفسي من الهلاك.
وما استغرقت وصفك في مديحي ... فأنقص منه شيئًا بالهجاء
يقول: لم استوف مدحي فيك بعد، وما أدركت الغاية فكيف أنقص منه شيئًا بالهجاء؟
وهبني قلت: هذا الصبح ليلٌ ... أيعمى العالمون عن الضياء!
معناه: هب أني قلت: إن هذا النهار ليلٌ! أيعمى العالمونعن ضياء هذا النهار؟! وهذا مثلٌ ضربه في أنه هجاه، وذكره مغايرة ليتقبله الناس بمشاهدتهم فضله.
وقالوا: إنه كالنهار الذي لا يخفي ضوء الشمس فيه، ولقالوا: إني عابثٌ في ذلك.
تطيع الحاسدين وأنت مرءٌ ... جعلت فداءه وهم فدائي
أصله: أتطيع، فحذف ألف الاستفهام. وقوله: جعلت فداءه. أخرجه مخرج الدعاء. وهم: يحتمل أن يكون عطفًا على التاء من جعلت، الذي هو ضمير المرفوع، فيكون قد عطفه على ضمير المرفوع المتصل من غير توكيد بالمنفصل، وكان حقه أن يقول: جعلت أنا فداءه وهم فدائي. غير أن هاهنا حسن ذلك لوقوع فداءه بين المعطوف والمعطوف عليه، ويحتمل أن يكون: وهم فدائي جملة منفصلة عن الجملة الأولى، فيكون هم مبتدأ وفداء خبره فتكون الواو عطفت جملة على جملة، أو يكون للحال.
المعنى: أتطيع الحاسدين الذين كذبوا علي، وتسمع كلامهم في؟ وأنت الرجل! جعلت أنا فداءه والحساد فدائي. يعني: جعلت فداءه لأفضاله علي، فهم فدائي لفضلي عليهم.
ويجوز أن يتم الكلام عند قوله: وأنت مرء يعني أنت رجل مستحق أن توصف بالرجولية فلا ينبغي أن تسمع كلام الحاسدين في، ثم ابتدأ بالدعاء له وعلى الحاسدين. ويجوز أن يكون بعضه متصلًا ببعض.
وهاجي نفسه من لم يميز ... كلامي من كلامهم الهراء
يعني: إنما الهاجي نفسه، من لم يميز كلامي من جزالته وحسن موقعه من كلام حسادي، الفاسد الساقط، الذي لا معنى له. لأن تركه الفرق بين كلامي، وكلامهم، ينبىء عن الجهل، والجهل ذم مذموم، فكأنه هجا نفسه.
وإن من العجائب أن تراني ... فتعدل بي أقل من الهباء
يقول: إن من العجائب أن تراني، وتعرف فضلي وعقلي، ثم تجعلني عديلًا إلى من هو أقل من الهباء. يعني: أنه لا وزن له ولا خطر.
وتنكر موتهم وأنا سهيلٌ ... طلعت بموت أولاد الزناء
يقول: أتنكر موت حسادي إذا رأوني؟! وأنا سهيل اليماني الذي بطلوعي تموت أولاد الزناء.
وذلك أن العرب تزعم أن ما نتج من أمهار الخيل، إذا ضرب الفحل أمه من دون إذن صاحبه فإنه يموت إذا طلع سهيل، فكذلك تموت الحساد بسببي.
وقال يمدحه أي الحسين بن إسحاق التنوخي:
ملام النوى في ظلمها غاية الظلم ... لعل بها مثل الذي بي من السقم
الهاء في ظلمها للنوى لأنها مؤنثة، ويجوز أن يكون للمرأة وإن لم يجر لها ذكر وفي بها: للنوى خاصة.
يقول: لومي البعد بتبعيد هذه المرأة عني، واختصاصه بها غاية الظلم له، فلعل به من السقم والعشق مثل ما بي فتعشق هذه المرأة الذي ذهب بها، كما أعشقها أنا. وبين ذلك بقوله:
فلو لم تغر لم تزو عني لقاءكم ... ولو لم تردكم لم تكن فيكم خصمي
يقول: لو لم، تغر النوى علي لم تقتض علي رؤيتكم، ولو لم تكن مريدةً لكم؛ لم تكن النوى خصمًا لي بسببكم.
أمنعمةٌ بالعودة الظبية التي ... بغير وليٍّ كان نائلها الوسمي؟
الوسمي: أول المطر، والولي: الذي يليه.
1 / 66