يقول: اعتزل عن الدنيا استحقارًا لها، وتعفف فما ازداد إلا جلالة وعظمًا فلم يخل من ذكره المشرق والمغرب.
غدا الهندوانيات بالهام والطلى ... فهن مداريها وهن المخانق
المدارى جمع: المدارى والمدارة وهي شيء يفرق به الشعر، وهو المشط وقد يكون من الذهب، والفضة والحديد والعاج والخشب.
يقول إذا السيوف الهندية بالهام والأعناق، فبعضها مدارى يعملها في الهام، وبعضها مخانق للزومها في الأعناق وقطعها إياها.
تشقق منهن الجيوب إذا غزا ... وتخضب منهن اللحى والمفارق
يقول: تشقق من هذه السيوف الجيوب، إذا غزا الممدوح أعداءه، وتخضب منها مفارق الرأس واللحى، إذا ضرب أعداءه بها.
يجنبها من حتفه عنه غافلٌ ... ويصلي بها من نفسه منه طالق
التأنيث: للسيوف، والتذكير: لمن.
يقول يجنب هذه السيوف من غفل هلاكه عنه، ويصلى بها من صارت نفسه طالقةً منه.
يحاجي به: ما ناطقٌ وهو ساكتٌ؟ ... يرى ساكتًا والسيف عن فيه ناطق
يحاجي: أي يغالط، والأحجية: المعماة.
معناه: يحاجي بهذا الرجل فيقال: ما ناطقٌ ساكتٌ؟ فجواب المجيب: هذا الرجل؛ لأنه يرى ساكتًا إذا أمسك عن الكلام. وفي الحرب، السيف ينطق عنه بقتل أعدائه، فيقوم فعل السيف مقام لفظه.
نكرتك حتى طال منك تعجبي ... ولا عجبٌ من حسن ما الله خالق
يقول: إنما نكرتك لما رأيت محاسنًا خارجة عن المعتاد، حتى تعجبت منك، ثم عاودت نفسي فقلت: ولا عجب من صنع الله تعالى. ويجوز أن يريد: إني لما سمعت بوصفك نكرتك فلما عاينتك رأيت مصداق ما سمعت فزال التعجب عني.
كأنك في الإعطاء للمال مبغضٌ ... وفي كل حربٍ للمنية عاشق
يقول: كأنك مبغضٌ مالك؛ لكثرة تفريقه للناس، وكأنك عاشق للموت في كل حرب، لملازمتك دواعيها وأسبابها.
ألا قلما تبقى على ما بدا لها ... وحل بها منك القنا والسوابق
يبقى: فعل القنا، والسوابق. والهاء في بها ولها: ترجع إليها أيضًا. وتقديره ألا قل ما تبقى القنا والسوابق على ما بدا لها، وحل بها من جهتك، من مدافعة الطعن بالقنا، وإجراء الخيل السوابق.
وقيل: إن قوله: تبقى ترجع إلى الحرب يقول: ما تبقي الحرب على ما بدا لها منك؛ لأنك إذا حضرتها هزمت الأعداء فلا تبقى حرب. وقوله: وحل بها ... إلى آخره: حال. أي في تلك الحال.
خف الله واستر ذا الجمال ببرقعٍ ... فإن لحت ذابت في الخدور العواتق
العواتق: جمع العاتق، وهي المرأة الحسناء.
يقول: اتق الله واستر جمالك ببرقع، فإنك إن ظهرت لذوات الخدور من النساء، الجواري الأبكار، ذبن وجدًا بك، وشوقًا إليك. وروى حاضت في موضع ذابت أي إذا رأينك حضن؛ لأنه يقال: إن الشهوة إذا غلبت على النساء حضن. ويجوز أن يريد بذلك: أن الحسان من النساء بالإضافة إلى جمالك، بمنزلة من حاضت، في باب سقوط درجتها عن صواحبها.
سيحيي بك السمار ما لاح كوكبٌ ... ويحدو بك السفار ما ذر شارقٌ
حذف مفعول سيحيي وهو الليل لدلالة الكلام عليه، وكذلك يحدو بك السفار: وهي الإبل.
يقول: إن المحدثين بالليل يحيون الليالي بذكرك وحديثك، والمسافرون يحدون إبلهم بك ما طلع نجم وما طلعت الشمس، والأولى أنهم يسمرون ويحدون بشعري الإبل فيك.
فما ترزق الأقدار من أنت حارمٌ ... ولا تحرم الأقدار من أنت رازق
ولا تفتق الأيام ما أنت راتقٌ ... ولا ترتق الأيام ما أنت فاتق
يقول: إن الأقدار موافقةٌ لك، فترزق من ترزق، وتحرم من تحرمه أنت، ولا تنقض الأيام ما تبرمه أنت، ولا تبرم ما نقضته أنت.
لك الخير غيري رام من غيرك الغنى ... وغيري بغير اللاذقية لاحق
يقول: دام لك الخير، وهذا دعاء له، ثم عاد إلى ذكر نفسه وقال: غيري من الناس طلب الغنى من غيرك، والتحق بغير بلدتك، فأما أنا فلا أفضل سواك عليك.
هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ... ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق
يقول: إن اللاذقية هي الغرض الأبعد الذي لا غاية بعده، ومنيتي رؤيتك، والدنيا كلها منزلك، وإن كان مسكنك اللاذقية، وأنت جميع الخلق، بما فيك من فضائل الناس كلهم، وهذا كقوله أيضًا:
إلا رأيت العباد في رجل
وهجى الحسين بن إسحاق على لسان أبي الطيب، فكتب إليه يعاتبه فأجابه
1 / 65