وقد صارت الأجفان قرحى من البكا ... وصار بهارًا في الخدود الشقائق
البهار: جمع بهارة، وهي شيء أصفر، من الرياحين. والشقائق: هي التي تدعى شقايق النعمان، وهي حمر. وروى: قرحًا منونًا على الاسم، وقرحى غير منونةٍ، صفة الأجفان، والمعنى واحد.
يقول: قد صارت الأجفان قريحة من البكاء غداة التوديع لخوف الفراق، وصار بهارًا أصفر في الخدود الشقائق، ومثله لابن المعتز قوله:
لم تشن شيئًا ولكنها ... بدلت التفاح بالياسمين
على ذا مضى الناس: اجتماعٌ وفرقةٌ ... وميتٌ ومولودٌ، وقالٍ ووامق
وروى: مضى الدهر أي على هذا. وذلك، إشارة إلى ما تقدم ثم فسره فقال: اجتماعٌ وفرقةٌ. يعني: أن الناس يجتمعون تارةً ويتفرقون أخرى، وواحدٌ يموت وآخر يولد وواحدٌ مبغض وآخر عاشق، وقيل: أن معناه أن بني آدم على اجتماع بعد فرقة، وميت بعد مولود، ومبغض بعد عاشق، ومثله للأعشى.
شبابٌ وشيبٌ، وافتقارٌ وثروةٌ ... فلله هذا الدهر كيف ترددا
تغير حالي والليالي بحالها ... وشبت وما شاب الزمان الغرانق
تغير: فعل ماض. وروى: تغير: وهو فعل مضارع، وأصله تتغير، لأن الحال مؤنث فحذف أحد التاءين. والأول أولى. والغرانق: هو الشاب الناعم، وجمعه: غرانيق.
يقول: إن الليالي قد أثرت في وغيرتني، وهي بحالها، وشبت أنا والزمان لا يتغير عن حاله وجدته.
سل البيد: أين الجن منا بجوزها؟ ... وعن ذي المهاري: أين منها النقانق؟
البيد: جمع البيداء، والهاء في بجوزها: أي بواسطها. والمهاري: جمع المهرية. وهي الإبل المنسوبة إلى مهرة بن حيدان، وهي قبيلة. والنقانق: جمع النقنق، وهو ذكر النعام.
يقول: سل المفاوز: هل الجن تقطع وسطها كما نقطعها نحن! وسلها: أيضًا عن حال إبلنا في سرعة سيرها، هل تقطها النعام كما تقطها إبلنا؟ لأن النعام موصوفة بسرعة السير.
وليلٍ دجوجي كأنا جلت لنا ... محياك فيه فاهتدينا السمالق
السمالق: جمع السملق، وهي الأرض البعيدة الأطراف، وفاعل جلت: السمالق، وجلت: أي أظهرت.
يقول: وكم ليلة مظلمة؟ كأنما أظهرت لنا المفاوز وجهك المضيء حتى اهتدينا بضوئه.
فما زال لولا نور وجهك جنحه ... ولا جابها الركبان لولا الأيانق
جنحه: جوانبه، وهو فاعل زال، والهاء في جابها: للسمالق أو للبيد. والأيانق: جمع الأينق: وهو جمع الناقة.
يقول: لولا نور وجهك ما زال ظلام الليل، ولولا النوق؛ لما قطع الركبان تلك السمالق؛ لبعدها وصعوبتها.
وهزٌّ أطار النوم حتى كأنني ... من السكر في الغرزين ثوبٌ شبارق
الهز: تحريك الإبل ركبانها في السير. وهو عطف على الأيانق، وقيل: عطف على قوله: وليل دجوجي فكأنه قال: ورب هزٍّ والأول أولى.
والمعنى لولا الأيانق ولولا هزها الذي طير النوم عني، لما قطعنا هذه المفاوز، حتى كأنني من السكر: أي من النعاس في الغرزين: وهما؛ ركابان للبعير من الخشب. وثوب شارق: أي مقطع مخرق. تعبًا وضعفًا واسترخاءً.
شدوا بابن إسحاق الحسين فصافحت ... ذفاريها كيرانها والنمارق
شدوا: أي غنوا وأحدوا. والذفرى: العظم الناشز خلف الأذن. وقيل: الذفرى من القفا هو الموضع الذي يعرق من البعير. وتقديره شدوا بالممدوح، ابن إسحاق، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.
يقول: حدى الحداة باسم الممدوح، بصوتٍ كالغناء فسمعت الإبل حدوهم فعرفت، ورفعت رءوسها، حتى أدركت ذفاريها الرحال والوسائل.
بمن تقشعر الأرض خوفًا إذا مشى ... عليها وترتج الجبال الشواهق
تقشعر: أي تضطرب، وكذا، ترتج الجبال: يعني حدوا بمن إذا مشى على الأرض اضطربت خوفًا، وإذا علا الجبال الشاهقة اضطربت هيبةً منه.
فتىً كالسحاب الجون يخشى ويرتجى ... يرجى الحيا منها ويخشى الصواعق
الجون: الأسود. الحيا: المطر.
يقول: إن هذا الرجل هو كالسحاب الأسود الذي فيه المطر، فهو ترجى منه الأمطار، ويخشى منه الصواعق. أي أنه مرجو مخوف.
ولكنها تمضي وهذا مخيمٌ ... وتكذب أحيانًا وذا الدهر صادق
يقول: إن السحاب قد تغيب، وهذا مقيمٌ أبدًا، وقد تكذب السحاب فلا تمطر وهذا صادق الدهر فلا يخيب راجيه.
تخلى عن الدنيا لينسى فما خلت ... مغاربها من ذكره والمشارق
1 / 64