يقول: من كثرة نوائب الدهر لا ندري ما الذي نعاتب منها؛ لكثرة الرزايا فلا ندري أيها نطالب بالوتر فيه، ويجوز أن يريد في الدهر، ويجوز أن يريد فيه موتته أو في هذا الفعل.
مضى من فقدنا صبرنا عند فقده ... وقد كان يعطى الصبر والصبر عازب
يقول: مضى بالموت من فقدنا صبرنا بمصيبته، فقد كانت حياته لعظم صبره، يعطينا الصبر إذا بعد عنا الصبر. والمعنى أنه كان يشجعنا على الحرب ويعلمنا الثبات.
يزور الأعادي في سماء عجاجةٍ ... أسنته في جانبيها الكواكب
يقول: إنه كان يزور الأعداء في سماء العجاجة، وكانت أسنته في جانبي هذه السماء كواكب. شبه الغبار المتراكم بالسماء، وأسنة الممدوح التي تلمع من خلال ذلك الغبار، بالكواكب اللامعة من السماء ومثله للآخر:
نسجت حوافرها سماءً فوقها ... جعلت أسنتنا نجوم سمائها
فتسفر عنه والسيوف كأنما ... مضاربها مما انفللن ضرائب
فتسفر: فعل العجاجة، وعنه: أي عن المرثي. والواو في قوله: والسيوف للحال. والمضارب: جمع المضرب، وهو حد السيف. والضرائب: جمع الضريبة وهو الشيء المضروب بالسيف.
يقول: كانت تنجلي هذه العجاجة عن هذا المرثي، ومضارب السيوف كلها منكسرة؛ من كثرة ما قتل بها الأعداء، فكأنها لانفلالها مواضع الضرب.
طلعن شموسًا والغمود مشارقٌ ... لهن وهامات الرجال مغارب
طلعن: فعل السيوف. وشموسًا: نصب على التمييز. شبهها بالسيوف لما انتضيت من أغمادها.
يقول: مطالع هذه الشموس، الأغماد لظهورها منها، ومغاربها، هامات الرجال؛ لأنها تغيبت فيها فهن يطلعن من مطالعها، وهي الأغماد، ويغربن في مغاربها، وهي الهامات.
مصائب شتى جمعت في مصيبةٍ ... ولم يكفها حتى قضتها مصائب
يقول: ليست هذه مصيبةً واحدةً، بل هي مصائب متفرقة، جمعت في مصيبةٍ واحدة؛ لأنه كان يموت خلقًا كثيرًا، فماتوا بموته، ولم يكفها ذلك حتى تبعتها مصائب أخر، وهي أقوال العداة: إنا شامتون بموته، فإن هذه مصيبة انضمت إليها.
رثى ابن أبينا غير ذي رحم له ... فباعدنا منه ونحن الأقارب
رثى: أي رحم، ورق. وغير: فاعله، ومفعوله: ابن أبينا.
يقول: رثى هذا الميت، الذي هو ابن أبينا، من هو غير ذي رحم لنا، بل هو بعيد عنه وعنا، وباعدنا هذا الراثي عن هذا المرثي، ونحن أقاربه وبنو عمه.
وعرض أنا شامتون بموته ... وإلا فزارت عارضيه القواضب
العارضان: جانبا اللحية: وهما العذاران.
يقول: عرض الراثي أنا شامتون بموته، إلا أنه كذب، وزارت السوف عارضيه.
أليس عجيبًا أن بين بني أبٍ ... لنجلٍ يهوديٍّ تدب العقارب؟!
تدب العقارب: كناية عن النميمة.
يقول: أليس من العجائب أن تدب عقارب ولدٍ يهودي، بين بني أبٍ! ووصفه بأنه ابن يهودي لذلته وحقارته. وقيل: أراد بأن اليهود اشتهر عنهم مكاتمة عداوة المسلمين، والمشي بينهم بالسعايات.
ألا إنما كانت وفاة محمدٍ ... دليلًا على أن ليس لله غالب
يقول: كانت وفاة محمد، المرثي في عزته ومنعته ومجده، دليلًا على أن الله تعالى لا يغلبه أحد. ومثله لأبي تمام:
كفي فقتل محمدٍ لي شاهدٌ ... أن العزيز مع القضاء ذليل
وقال يمدح الحسين بن إسحاق التنوخي
هو البين حتى ما تأنى الحزانق ... ويا قلب حتى أنت ممن أفارق
هو: إضمار للبين، ولم يجر له ذكر، وذلك لتعظيم الأمر ومثله قوله تعالى " قل هو الله أحدٌ " وتأنى أي تثبت، وأصله: تتأنى. والحزانق: جمع الحزنقة وهي الجماعة.
يقول: هو البين المتناهي الذي كنا نحاذره، حتى أن الجماعات لا تقف وتثبت، وحتى أنت يا قلبي من وجد ممن أفارقه في أحبابي. يعني: أن البين بلغ حدًا إذ ارتحل القلب فارتحل مع ما ارتحل.
وقفنا ومما زاد بتًا وقوفنا ... فريقي هوىً منا مشوقٌ وشائق
وقوفنا: فاعل زاد. وقوله: فريقي هوىً: نصب على الحال من النون والألف في قوله وقوفنا. يقال: شاقني الشيء، والمشوق: هو العاشق الذي شاقه غيره، والشائق: هو المعشوق؛ لأنه الحامل على الاشتياق فهو شائق، وأنا مشوق.
يقول: وقفت أنا والحبيب للتوديع ومن جملة ما عمنا أنا وقفنا في حالٍ ما كنا عليه، ونحن فرقتان: أحدهما محب مشوق والآخر محبوب يشوق صاحبه، بعد فراقه.
1 / 63