يقول: هم نفرٌ، إذا سلوا سيوفهم، ففارقت غمودها حضرت آجال العباد، وقتلوا من شاءوا.
وإذا لقوا جيشًا تيقن أنه ... من بطن طيرٍ تنوفةٍ محشور
الضمير في لقوا: يعود إلى النفر، والتنوفة: الفاختة. وتيقن فعل الجيش. والهاء في أنه للجيش، ووحد محشور لهذا المعنى.
يقول: إنهم إذا لقوا جيشًا في الحرب تيقن ذلك الجيش أنهم مقتولون فتأكلهم طيور الفاختة، فيحشرهم الله تعالى يوم القيامة من بطونها.
لم تثن في طلبٍ أعنة خيلهم ... إلا وعمر طريدها مبتور
يقول: إنهم لا يثنون أعنة خيلهم في طلب عدوهم، إلا أدركوه، وجعلوا عمره مبتورًا: أي مقطوعًا.
يممت شاسع دارهم عن نيةٍ ... إن المحب على البعاد يزور
عن نيةٍ: أي بعدٍ.
يقول: إني قصدت دارهم البعيدة، على بعد المسافة؛ لحبي لهم، وقد تبين ذلك. ويجوز أن يريد بقوله عن نيةٍ: أي عن قصدٍ مني إليهم، ونيةٍ مني على زيارتهم؛ لحبي إياهم، ولم يكن ذلك اتفاقًا، أو على سبيل الاجتياز بهم. ثم قال: إن المحب على البعاد يزور وهذا كقول القائل وهو:
من عالج الشوق لم يستبعد الدار
وقريب منه قول الآخر:
وما كنت زورًا ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لابد أن سيزور
ومثله قولهم:
إن المحب إذا لم يستزر زارا
وقنعت باللقيا وأول نظرةٍ ... إن القليل من الحبيب كثير
يقول: رضيت برؤيتهم، بل بأول نظرةٍ ولم أطل المقام للنظر؛ لأن القليل من المحب كثير فأنا محب لهم.
إن من قوله: غاضت أنامله إلى قوله: ولطالما انهملت بماء أحمر زيادة قالها ارتجالًا، بعد أن قال القصيدة فألحقت في هذا الموضع.
وسأله بنو عم الميت أن ينفي الشماتة عنهم فقال ارتجالًاك
ألآل إبراهيم بعد محمدٍ ... إلا حنينٌ دائمٌ وزفير
الهمزة: للاستفهام، ومعناه الجحد.
يقول: ما لآل إبراهيم وهم بنو عم الميت بعد موت هذا الرجل إلا الحنين الدائم، وهو الشوق إليه، وكذلك الزفير الدائم والبكاء أسفًا عليه، وإنما قال ذلك: لأن بعضهم قالوا: إنهم شمتوا به، فنفى عنهم ذلك.
ما شك خابر أمرهم من بعده ... أن العزاء عليهم محظور
يقول: ما شك من اختبر أمرهم وتأمله، من بعد المتوفى أن الصبر عليهم ممنوع حرام؛ لما هم فيه من الغم والجزع والقلق والهلع.
تدمي خدودهم الدموع وتنقضي ... ساعات ليلهم وهن دهور
فاعل تدمي: الدموع، ومفعوله: خدودهم، والواو في قوله وهن واو الحال.
يقول: إنهم من كثرة ما جرت دموعهم على خدودهم قرحت خدودهم حتى صارت تدمى، وإنهم من كثرة سهرهم بالليل، صارت ساعات الليل عندهم بمنزلة الدهور. وقيل: أراد، إنهم يبكون الدم مكان الدمع.
أبناء عمٍّ كل ذنبٍ لامرىءٍ ... إلا السعاية بينهم مغفور
يقول: هم أبناء عمٍّ واحد، فكل ذنب لديهم مغفور، إلا السعاية بينهم، فإن من حقهم ألا يغفروها، وأن يعاقبوا من سعى بينهم بالعداوة.
طار الوشاة على صفاء ودادهم ... وكذا الذباب على الطعام يطير
يقول: إن الوشاة تعرضوا ليفسدوا ما بينهم من صفاء الود، كما أن الذباب يطير على الطعام لإفساده، ولم تؤثر وشايتهم في ودادهم، إلا قدر ما أثر الذباب في إفساد الطعام، إذا طار عليه. وهذا إشارة إلى قلة الوشاة وحقارتهم، وقيل أراد بقوله: طار الوشاة، أي ذهبوا وهلكوا.
ولقد منحت أبا الحسين مودةً ... جودي بها لعدوه تبذير
أبو الحسين: أخ الميت. وقيل: هو المرثي.
يقول: إني منحته مودة عظيمة، ولو وجدت بها لعدوه لكان تبذيرًا وكنت مبذرًا مسرفًا؛ وذلك لنقصان عدوه فلا يستحق مودتي، أو لكثرة حقوقه وعظم مننه لدي، لو أحببت غيره كحبه، لكنت واضعًا للمودة في غير موضعها.
ملك تكون كيف شاء كأنما ... يجري بفضل قضائه المقدور
يقول: إنه ملك تكون على مشيئته، اختيارٌ كيف شاء، حتى كأن المقادير تجري على مراده، فلم يجر عليه شيئًا يكرهه.
وقال أيضًا في نفي الشماتة عنهم:
لأي صروف الدهر فيه نعاتب؟ ... وأي رزاياه بوترٍ نطالب؟
اللام في لأي: يجوز أن تجعل زائدة؛ لتقديم المفعول كقوله تعالى: " للرؤيا تعبرون " وإن كان لا يقال: عبرت للرؤيا، ويجوز أن تجعل: لام الغرض. فكأنه قال: لأي أفعال الدهر في هذا نعاتب الدهر.
1 / 62