وقيل معناه: ولا السخاء الذي فيه سخاء يدٍ وإنما هو سحابٍ، أو سخاء بحر.
أي الأكف تبارى الغيث ما اتفقا ... حتى إذا افترقا عادت ولم يعد
يقول: أي كفٍّ من بين الأكف تعارض الغيث وتكاثره، ما داما متفقتين في الحال. الكف في الإعطاء والغيث في إحياء إدامة الإنداء، حتى إذا افترقا، عادت الكف إلى الإعطاء، ولم يعد الغيث إلى الإنداء، وليس هكذا كفٌّ إلا كف هذا الممدوح.
قد كنت أحسب أن المجد من مضر ... حتى تبحتر فهو اليوم من أدد
مضر: ابن نزار بن معد بن عدنان. وأدد: ابن طايحة بن إلياس بن يعرب ابن قحطان. وبحتر: الذي هو الممدوح من قحطان.
يقول: كنت أظن قبل هذا، أن الشرف كله من مضر، حتى رأيته ببحتر، فنسب نفسه إليها لكون الممدوح منها، فهو الآن من أدد الذي هو من قحطان. قيل: تبحتر أي: أقام ببحتر فلما أقام فيها علمت أنه من أدد.
قومٌ إذا مطرت موتًا سيوفهم ... حسبتها سحبًا جادت على بلد
فاعل مطرت: سيوفهم، ومفعوله: موتًا والهاء في حسبتها: للسيوف، وفي جادت: للسحب.
يقول: هم قوم إذا قاتلوا، مطرت سيوفهم موتًا؛ لكثرة ما يقتلون بها، فيظن سيوفهم سحابًا مطرت مطرًا جودًا على بلدٍ.
لم أجر غاية فكري منك في صفةٍ ... إلا وجدت مداها غاية الأبد
يقول: ما أجريت غاية فكري في صفةٍ منك، إلا وجدت غاية تلك الصفة غاية الأبد، وليس للأبد نهاية.
وقال يمدح محمد مساور بن محمد الرومي:
جللًا كما بي فليك التبريح ... أغذاء ذا الرشإ الأغن الشيح
الجلل: الأمر العظيم هاهنا، وهو أيضًا الأمر الهين ونصب بخبر فليك. والتبريح: اسمه وهو الشدة. والرشأ: ولد الظبية، والأغن: الذي يخرج صوته من الخيشوم. والشيح: نبت معروف، وهو من نبات نجد، وهو ينعم المواشي إذا رعته وقوله: فليك أصله فليكن فحذف النون لسكونها وسكون التاء الأولى من التربيح، تشبهًا للنون بحروف اللين؛ لما فيه من الغنة.
يقول: ليكون التبريح والشدة عظيمًا كما بي، فتم الكلام هاهنا، ثم استأنف في المصرع الثاني متعجبًا من المشبه به فقال: أغذاء ذا الرشأ الأغن الشيح؟! أي فرط شبهه بالظبي شككت فيه: أنه ظبي في الحقيقة أم لا؟ وقد طعن في ذلك.
وقيل: إن أحد المصراعين ينافي الآخر ولا مطعن فيه لأن المصراعين بمنزلة البيتين، فكما يجوز أن يكون أحد البيتين منقطعًا عن الآخر، فكذلك المصراعان، وقد ورد مثال ذلك في الأشعار.
وقد قيل في وجه اتصال المصراعين وجهان: أحدهما: أنه بين في المصراع الأول حالة في شدة التبريح وبالغ فيه، ثم بين في المصراع الثاني: أن من فعل به تبريح الهوى هو الرشأ الأغن المنعم الذي ربى بالشيح.
والثاني: أن معناه: إن كان في الدنيا تبريحًا، فليكن عظيمًا مثل ما بي. ثم قال: أتظنون أن من فعل بي هو الرشأ الذي غذاؤه الشيح؟ ما هو إلا الرشأ الذي غذاؤه قلوب العاشقين وأبدانهم، فيا له من رشأ أغن! وقد كان ما قاله المتنبي على زعم بعضهم:
جللا كما بي فليك التبريح ... أولا فتبريح الهوى ترويح
لله من رشأ أغن مهفهفٍ ... أغذاء ذا الرشأ الأغن الشيح
ومعناه على هذا: ليكن التبريح عظيمًا كما بي، وإلا فإنه ترويحٌ إذا لم يكن مثل تبريحي، ثم قال: لله من رشأ، ومعناه عجبًا من الرشأ الذي في صوته غنة! مهفهفٍ: أي دقيق الخصر. غداؤه الشيح: الذي ينعم به أمثاله. فكأنه قال: كل ما حصل بي من التبريح، فمن الرشأ الذي صفته هذه.
لعبت بمشيته الشمول وجردت ... صنمًا من الأصنام لولا الروح
يقول: لعبت الخمر بمشية هذا الرشأ، حتى صار مثل شارب الخمر. وجردت: أي عرته عن ثيابه. وصنمًا: نصب لوقوع جردت عليه، فكأنه يقول: جردت الشمول صنمًا من الأصنام، لولا أن فيه الروح، لكان صنمًا. وقيل: جردته في الحسن صنمًا، فنصب على الحال. وإنما لم يقل: وثنًا لأنه غير مصور بخلاف الصنم.
ما باله لاحظته فتضرجت ... وجناته وفؤادي المجروح؟!
تضرجت: أي احمرت.
يقول: ما بال هذا الرشأ لاحظته فاحمرت وجناته؟! وقلبي هو المجروم النظر إليه! فكان ينبغي أن يحمر قلبي.
ورمى، وما رمتا يداه فصابني ... سهمٌ يعذب والسهام تريح
رمت يداه: على لغة من يقول: أكلوني البراغيث. وما للنفي وسهم: رفع بصابني.
1 / 56