شكر العفاة لما أوليت أوجدني ... إلى نداك طريق العرف مسلوكا
أوجدني: أي هداني، وأرشدني. والمفعول الأول: الياء، والثاني طريق العرف.
يقول: شكر السؤال لما أعطيتهم من النوال أوجدلى سبيلًا مسلوكًا إلى معروفك فقصدتك. وروى: إلى يديك يعني أوجدلى شكرهم شكرهم، شكرهم، طريق المعروف مسلوكًا إلى يديك فسلكته.
وعظم قدرك في الآفاق أوهمني ... أني بقلة ما أثنيت أهجوكا
يقول: علو محلك في العالم أوهمني أني بهذا القدر من المدح والثناء أهجوك! يعني: أنك تستحق فوق ما مدحتك به وأثنيت عليك، فكأني هجوتك.
كفى بأنك من قحطان في شرفٍ ... وإن فخرت فكلٌّ من مواليكا
يقول: كفى قحطان شرفًا أنك منهم. فتكون الرواية على هذا: كفى بأنك في قحطان من شرفٍ، ويحتمل كفاك شرفًا بكونك من قحطان، مع شرفٍ لك طارف أضفته إليه. والرواية على هذا: كفى بأنك من قحطان في شرف وإن فخرت، وجدت كل قحطان أوكل الناس من مواليك وخدمك؛ لأن إحسانك يعمهم ومنك يشملهم، فكلهم مواليك.
ولو نقصت كما قد زدت من كرمٍ ... على الورى لرأوني مثل شانيكا
يقول: لو تناهيت في النقصان، تناهيك في الرجحان، لفنيت وعدمت. فرآني الناس مثل عدوك، لأنه لم يبق من أعدائك أحد، فكنت مثلهم في الفناء، وقد أحسن في إضافة النقص إلى نفسه والزيادة إلى الممدوح. وقيل: لو نقصت من المدح، كما زدت على الناس من الكرم، لرأوني في ذلك مثل عدوك، الذي يحسن ذكرك. يعني وإن لم أبلغ الغاية في محاسنك لم أقصر عما دق عليه، كيلا أكون مثل شانيك.
لبى نداك لقد نادى فأسمعني ... يفديك من رجلٍ صحبي وأفديكا
لبى: من قولهم لبيك بمعنى: لزومٌ لك بعد لزوم، وإنما ثنوه على التوكيد، ونصبوه على المصدر، وأضافوه إلى كاف المواجهة، وأضافه هاهنا إلى النداء.
يقول: أجابةً لنداك بعد إجابة، فقد نادى إلى نداك، فأسمعني صوته، يفديك أصحابي ونفسي من رجل بين الرجال. يعني أن سخاءه دعاه إلى معروفه فأجابه وروى: لبى نداك والأول أولى.
ما زلت تتبع ما تولى يدًا بيدٍ ... حتى ظننت حياتي من أياديكا
يقول: مازلت تنعم يدًا بيدٍ أي: نعمة يد بيد، حتى ظننت حياتي من جملة نعمك علي، لكثرة ما أنعمت فلم أميز ما هو: أعطاء دهر، أم غيره؟!
فإن تقل ها فعاداتٌ عرفت بها ... أو لا فإنك لا يسخوا بلا فوكا
يقول: إن قلت خذ كان ذلك من عادتك التي عرفت بها، وإن أردت أن تقول لا فلم تجد فوك يسخو بها أبدًا فلا يمكنك أن تقول ذلك.
وقال أيضًا يمدحه:
أريقك أم ماء الغمامة أم خمر ... بفي برودٌ وهو في كبدي جمر؟!
يقول: أهذا ريقك! أم ماء المطر؟ لعذوبته وصفائه، أم الخمرة؛ لمافيها من اللذة والتفريح، فقد جمع ريقك الحرارة والبرودة، فهو في فمي بارد وفي كبدي حار؛ من حيث ألتذ به عند لهوي، لكنه يهيج العشق في قلبي وكبدي فهو كالخمر، فمن حيث برودته شبهه بماء الغمام ومن حيث الحرارة شبهه بالجمر وأني بلفظ الاستفهام مبالغة في التشبيه.
أذا الغصن أم ذا الدعص أم أنت فتنةٌ؟ ... وذيا الذي قبلته البرق أم ثغر؟!
يقول: أهذا قدك أم الغضن؟! وهذا كفلك أم الدعص؟ وهما حالان ثم بينةٌ من الرجل أم أنت فتنة كلفت بها كما جمعت هذه الأشياء المختلفة، وهذا الذي قبلته برقٌ لامع أم سنٌّ؟! وشبه الثغر بالبرق، من حيث: أن الشفة كالسحاب، فإذا ابتسمت يبدو البرق من السحاب. وروى: بل أنت فتنة، والتصغير في ذيا: إشارة إلى صغر أسنانها، وإما لأنه محبوب عندهم. كقولهم: يا بني. وهذا في التقسيم كقول الآخر:
أقطع الدجى أم شعرك الفاحم الجعد ... أبدر الدجى أم لاح من وجهك السعد؟!
رأت وجه من أهوى بليل عواذلي ... فقلن نرى شمسًا وما طلع الفجر
يقول: رأت العواذل وجهها بليل، فبهتن وقلن: نرى شمسًا طالعة قبل طلوع الفجر! فأقررن بحسنها، وكففن عن عذلي وعذرنني في حبها، بعدما كن يعذلنني، ولأن الحسن للمحبوبة شغل العواذل، عن العذل، وكأنه مشتق من قوله تعالى: " فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن " يعني: أنهن إذا رأين يوسف ﵇ بهتن حتى تركن عذل امرأة العزيز. والواو في قوله: وما طلع واو الحال.
رأين التي للسحر في لحظاتها ... سيوفٌ ظباها من دمي أبدًا حمر
1 / 53