محمد بن زريق ما نرى أحدًا ... إذا فقدناك يعطي قبل أن يعدا
يقول: يا محمد بن زريق. ما نرى أحدًا سواك يعطى قبل الوعد، دون المطل المكدر للعطايا. يعني أنه ليس أحد سواه.
وقد قصدتك والترحال مقتربٌ ... والدار شاسعةٌ والزاد قد نفدا
قصد بقوله: والترحال مقترب، استعجال العطاء وبقوله والدار شاسعة: الاستكثار منه؛ لأن القليل لا يكفيه، لبعد داره، وبقوله: والزاد قد نفد، أي أنه لا مادة للزاد إلا من جهة أخرى، والغرض منه الاستكثار، أو يكون قصد أن يبين أن الضرورة قد دعته إلى هذا السؤال ولولاها لكان لا يسأل.
فخل كفك تهمي واثن وابلها ... إذا اكتفيت وإلا أغرق البلدا
تهمى: في موضع الحال، وليس بجواب. يقول: خل يدك تصب وتهمي واصرف وابلها: أي مطرها الجود عني إذا اكتفيت وإن لم تصرفه أغرق الوابل البلد. وروى: إن اكتفيت يخاطب الممدوح يقول: هاتها واثن وابلها إن اكتفيت بها دون الوابل، ولما تعرض في البيت الأول للاستكثار، بين هاهنا أن القليل من عطاياه كثير وأن غرضه يحصل بالقليل من عطاياه.
وقال يمدح عبيد الله بن يحيى البحتري:
بكيت يا ربع حتى كدت أبكيكا ... وجدت بي وبدمعي في مغانيكا
المغاني: جمع المغنى، وهو المنزل، من قولهم: غني بالمكان.
يقول: قد بكيت يا منزل الأحباب حتى كدت أحملك على البكاء رقة لي، وجدت بي وبدمعي في منازلك، أي هلكت وجدت بروحي، كما أفنيت دمعي بعد مفارقة الراحلين عنك.
فعم صباحًا لقد هيجت لي شجنًا ... واردد تحيتنا إنا محيوكا
صباحًا: نصب على الظرف، أي في صباح، وعم من قولهم: وعم يعم بمعنى نعم ينعم أي أنعم صباحًا.
يقول: أيها الربع أنعم صباحًا، على وجه الدعاء، كرامة لمن نزل به، فقد هيجت أحزاني، واردد علينا سلامنا، فإنا مسلمون عليك بقولنا: أنعم صباحًا.
بأي حكم زمانٍ صرت متخذًا ... رئم الفلا بدلًا من رئم أهليكا
يقول: بأي حكم زمانٍ استبدلت ظباء الفلا بدلًا من الجواري التي كن فيك، مثل ظباءٍ خالصة البياض وهذا على عادتهم في نسب الحوادث إلى الزمان. ومثله للبرقعي:
تبدل الربع من أسماء غزلانا ... وأقفرت من سليمى أرض حلوانا
أيام فيك شموسٌ ما انبعثن لنا ... إلا ابتعثن دمًا باللحظ مسفوكا
أيام: نصب على الظرف، أو على إضمار فعل. كأنه يقول: أذكر أيامًا.
يقول: أذكر تلك الأيام التي كانت فيك شموس من الحبايب، لم يظهرن لنا إلا أخرجن بلحظهن ونظرهن، أو بعيونهن، دماءً من العشاق. وقوله: مسفوكًا أي مصبوبًا.
والعيش أخضر والأطلال مشرقة ... كأن نور عبيد الله يعلوكا
يقول: أذكر أيامًا، هذا حالها، وهو أن العيش كان ناعمًا لذيذًا، والأطلال مضيئة بالشموس، فكأن نور عبيد الله يعلوكا.
نجا امرؤٌ يا ابن يحيى كنت بغيته ... وخاب ركب ركابٍ لم يؤموكا
روى: جاز مكان خاب أي هلك، والركب: جمع الراكب، والركاب: الإبل. وروى: الرحال وهي الإبل واحدها راحلة.
يقول: آمن الفقر من كنت طلبته ومأموله، وخسر راكبوا إبل وهلكوا إذا لم يقصدوك. يعني: لو قصدوك لأغنيتهم عن طول الأسفار وكفيتهم مؤن المشقات.
أحييت للشعراء الشعر فامتدحوا ... جميع من مدحوه بالذي فيكا
يقول: أحييت شعر الشعراء بما أظهرت من المكارم والخصال، وبما أعطيتهم من الأموال، حتى هديتهم إلى الشعر، فمدحوا ممدوحهم بما فيك من المحاسن والخصال البديعة، فلما رأوا فيك هذه المعالي تعلموا المدح وقول الشعر.
وعلموا الناس منك المجد واقتدروا ... على دقيق المعاني من معانيكا
يقول بيانًا لما قبله: إنهم لما مدحوا الناس بأوصافك تنبه الممدوحون لمثل صنائعك، فكأن الشعراء هم الذين علموهم منك المجد واقتدر الشعراء على دقيق المعاني من معانيك التي تخصصت بها دون غيرك. ومثله للآخر:
ما رأينا من فضل جود ابن يحيى ... صير الناس كلهم شعراء
علم المفحمينأن ينطقوا الأش ... عار فيه والباخلين السخاء
فكن كما أنت يا من لا شبيه له ... أو كيف شئت فما خلقٌ يدانيكا
يقول: كن كما أنت يا من لا نظير له، أو كن كيف شئت من النقصان عما أنت عليه، فما خلق يدانيك، بحال من الأحوال، ولا يشبهك بخصلة من الخصال، فكل فعالك حميدة.
1 / 52