يقول: لو استعمل ذو القرنين رأى هذا الممدوح، وكان له مثل الظلمات، لكانت بنور رأيه شموسًا. وأضاءت له؛ لأن رأيه أضوأ من الشمس. وعازر: هو الذي أحياه الله تعالى على يد المسيح أو أصاب رأسه سيفه ومات، لأعيا عيسى أن يحييه ويشق عليه إحياءه بعد موته.
أو كان لج البحر مثل يمينه ... ما انشق حتى جاز فيه موسى
أي: لو كان لج البحر الذي انشق لموسى ﵇، مثل يمين هذا الممدوح، ما انشق حتى جاز فيه موسى بمن معه.
أو كان للنيران ضوء جبينه ... عبدت فكان العالمون مجوسا
يقول: لو كان للنار نور جبين هذا الممدوح، لعبدها أهل الدنيا كلهم! وصاروا بأجمعهم مجوسًا! والغرض وصفه بالحسن والبهاء.
لما سمعت به سمعت بواحدٍِ ... ورأيته فرأيت منه خميسا
يقول: لما سمعت بذكره، سمعت بواحدٍ من الناس، فلما رأيته رأيت عسكرًا عظيمًا، وإن كان في نفسه واحد، لقيامه مقام الجماعة.
ولحظت أنمله فسلن مواهبًا ... ولمست منصله فسال نفوسا
يقول: لما رأيت أنامله وجدتها تسيل منها المواهب، ولما لمست سيفه وجدته يسيل منه الدماء!
يا من نلوذ من الزمان بظله ... أبدًا ونطرد باسمه إبليسا
المعنى: يا من نلجأ إلى ظله إذا جار علينا الزمان، وإذا تعرض لنا إبليس طردناه باسمه؛ لأن اسمه محمد، وبه يطرد إبليس. قيل: إنه أراد أنه في هيئة بمثابة أن يطرد به إبليس، مع كثرة ضرره بالناس، وقيل: أراد بإبليس، كل من تتأذى به الأنفس فهو إبليس.
صدق المخبر عنك دونك وصفه ... من بالعراق يراك في طرسوسا
يقول: صدق المخبر الذي أخبرني عنك. ثم وصفه بقوله: دونك، أي وصف ذلك المخبر دون ما أنت عليه وأنت فوق ما وصفه. ثم قال: من بالعراق يراك في طرسوسا التي أنت فيها فكأنهم في فضلك وشهرتك رأوك وشاهدوك، وأراد بذلك بعد صيته وذكره، لا يستقر بل تسير به الركبان، أو يكون كناية عن وصول عطاياه إلى البلدان. وقول الحكمي أبلغ وأحسن من هذا؛ وهو:
ملكٌ تصور في القلوب مثاله ... فكأنه لم يخل منه مكان
لأنه عم جميع الأماكن، والمتنبي اقتصر على العراق وطرسوس.
بلدٌ أقمت به وذكرك سائرٌ ... يشنا المقيل ويكره التعريسا
أصله: يشنأ بالهمز، فخفف، وأبدل منه الألف. والمقيل: من القيلولة، أو مكانها. والتعريس: يكون في وجه الصبح.
يقول: إن طرسوس بلدٌ أقمت به وذكرك سائرٌ ليلًا ونهارًا، لا مقيل له بالنهار، ولا تعريس له بالليل.
فإذا طلبت فريسةً فارقته ... وإذا خدرت تخذته عريسا
خدر الأسد: إذا غاب في الأجمة. والعريس والعريسة: مأوى الأسد.
يقول: إذا غزوت فارقت هذا البلد، كما يفارق الليث عريسه، وإذا عدت إلى البلد اتحذته مأواك؛ لما شبهه بالأسد جعل مأواه عريسا.
إني نثرت عليك درًا فانتقد ... كثر المدلس فاحذر التدليسا
يقول: إني نثرت عليك من شعري درًا، فانتقده وميزه من شعر غيري، واحذر من المدلس: الخائن. أن يدلس عليك بشعرس يقيمه مقام شعري، أو يحط هذا الشعر عندك من منزلته، فقد كثر المدلسون المتشاعرون.
حجبتها عن أهل أنطاكيةٍ ... وجلوتها لك فاجتليت عروسا
التأنيث في حجتها: للقصيدة، وإن لم يصرح بها فقد صرح بمفهومها، أو يكون راجعًا إلى قوله: عروسًا؛ لأنه شبه القصيدة بالعروس.
يقول: منعتها عن أهل أنطاكية، وحملتها إليك مجلوة، حتى اجتليتها عروسًا. يعني: إني مدحتك دونهم، لأنك خيرهم، وكلامي خير الكلام، فلا يليق إلا بك.
خير الطيور على القصور وشرها ... يأوي الخراب ويسكن الناووسا
يقول: أنا خير الشعراء، فلا أمدح إلا خير الناس. وغيري من الشعراء يقصد غيرك، فأنا كالطائر الذي سكن القصور، وأولئك كالطيور التي تأوي الخراب، والنواويس. شبه الممدوح بالقصر، وملك أنطاكية بالخرابات والنواويس.
لو جادت الدنيا فدتك بأهلها ... أو جاهدت كتبت عليك حبيا
يقول: لو كانت الدنيا ممن يجود؛ لفدتك بأهلها. أو كانت ممن تجاهد، لكتبت أنها موقوفة عليك، حبيسًا في سبيل الله تعالى؛ لتنصر الدين وتذل المشركين. وروى: كتبت عليك حبيسا، أي لو أمكنها أن تخلدك لخلدتك أبدًا، ولكتبت ذلك عليك.
وقال يمدح محمد بن زريق أيضًا:
1 / 51