يرون من الذعر صوت الرياح ... صهيل الجياد وخفق البنود
يقول: انهزموا عنه، وخافوه، حتى ظنوا صوت الرياح أنه صهيل خيوله وخفق أعلامه، وأنهم إذا رأوا شيئًا ظنوه رجلًا ومثله قول جرير:
ما زلت تحسب كل شيءٍ بعدهم ... خيلًا تكر عليهم ورجالا
والأصل في ذلك قوله تعالى: " يحسبون كل صيحةٍ عليهم هم العدو ".
فمن كالأمير ابن بنت الأمي ... ر أم من كآبائه والجدود؟
من: استفهام. ومعناه النفي.
يقول: ليس أحد مثل الأمير وليس أحد كأبيه وأجداده، وهو أيضًا كريم من جهة الأمهات.
سعوا للمعالي وهم صبيةٌ ... وسادوا وجادوا وهم في المهود
يقول: إن الممدوح وأباءه وأجداده قد سعوا في طلب المعالي في حال صباهم، وسادوا غيرهم، وجادوا بأموالهم، وهم أطفال في المهود، والغرض المبالغة في سؤددهم وكرمهم. وروى: وشادوا أي بنوا المجد ورفعوه.
أمالك رقىً ومن شأنه ... هبات اللجين وعتق العبيد
الواو في قوله: ومن شأنه، واو الحال. ويجوز: أن يكون واو العطف، ومن في موضع النصب، وتقديره إذًا يكون: يا مالك رقىً ويا من شأنه هبات الفضة وإعتاق العبيد.
دعوتك عند انقطاع الرجا ... ء والموت مني كحبل الوريد
حبل الوريد: عرق في العنق، يتصل بالقلب.
يقول: دعوتك لما انقطع الرجاء من الحياة، وقرب الموت مني، كقرب حبل الوريد.
دعوتك لما براني البلى ... وأوهن رجلي ثقل الحديد
براني: أي أنحلني، وقطعني، والبلى: مصدر بلى الشيء. وروى: لثقل الحديد.
يقول: دعوتك عند الشدة، وعظم أثر القيد برجلي!
وقد كان مشيهمًا في النعال ... فقد صار مشيهمًا في القيود
يقول: قد كان مشى رجلي قبل ذلك في النعال، وصار الآن مشيهما في القيود! فلا عهد لي بالقيود قبل هذه الحالة!
وكنت من الناس في محفلٍ ... فها أنا في محفلٍ من قرود
لصوصٌ أطاعوا أبا مرةٍ ... بترك الركوع وترك السجود
كأني قرنت بهم في الجح ... يم أرى كل يومٍ وجوه اليهود
يقول: كنت إلى الآن في محفل من كرام الناس، وأنا الآن في محفل من القرود! وأراد بهم الأوباش وأصحاب الأهواء ثم بين فقال: هم لصوص وأطاعوا إبليس بترك الصلاة. وأبو مرة: كنية إبليس.
تعجل في وجوب الحدود ... وحدي قبل وجوب السجود!
وروى تعجل: فيكون متعديًا، أصله تتعجل أيها الأمير، فعلى هذا وجوب يكون منصوبًا، والأولى تعجل بفتح اللام على الفعل الماضي اللازم ويجوز رفع وجوب الصلاة علي وحدي. قال ابن جنى: إنه لم يكن صغيرًا لكن صغر نفسه عند الأمير ألا ترى أن من كان صبيًا لا يظن به اجتماع الناس إليه للشقاق والخلاف والظاهر بخلاف ذلك، وما بعده يدل على أنه كان صغيرًا، ومثله لابن الرومي:
أم لذنبٍ ينوب عني فلم يأن ... اكتساب الذنوب للأطفال
وقيل عدوت على العالمين ... بين ولادي وبين القعود
عدوت: أي ظلمت يقول: قيل عدوت على العالمين بما نويت، وأنا بين أولادي وقعودي ومن كان طفلًا مثلي. فكيف يصح منه ما نسب إليه؟!
فما لك تقبل زور الكلام ... وقدر الشهادة قدر الشهود؟!
يقول: مالك تقبل على الكذب وهذه الشهادة كشاهديها في الحقارة، فكما لا قدر للشهود لحقارتهم فكذلك شهادتهم.
فلا تسمعن من الكاشحين ... ولا تعبأن بمحك اليهود
بمحك اليهود: أي العداوة وشدة الحاجة. وروى: بمحل اليهود: وهو السعاية.
يقول: لا تسمع من الكاذبين كذبهم علي، ولا تبال بعداوة اليهود وسعايتهم بي، فإن شهادة اليهود على المسلمين غير مقبولة؛ لما بينهم من العداوة، والظاهر أنهم كانوا يهودًا. وقال ابن جنى: إنهم لم يكونوا يهودًا ولكن كني عنهم باليهود لذلتهم وحقارتهم وقلتهم، وظاهر البيت يدل على خلاف ذلك.
وكن فارقًا بين دعوى: أردت ... ودعوى: فعلت بشأوٍ بعيد
يقول: إن القوم إنما شهدوا علي، بأني أردت أن أهجوك وأخرج عليك، ولم يشهدوا أني فعلت ذلك، ولا نستحق الحبس والحد على العزم والنية ما لم يفعل، فكن فارقًا بين الواقع والمستقبل بمفرق بعيد، فإن بين الأمرين بونًا بعيدًا.
وفي جود كفيك ما جدت لي ... بنفسي ولو كنت أشقى ثمود
1 / 46