أحدهما: أن يكون على عادة العرب، في أنهم إذا استحسنوا شيئًا وتعجبوا منه دعوا عليه! نحو قولهم: قاتل الله فلانًا ما أفصحه!.
والثاني: أن يحمل على حقيقة الدعاء عليها. فيقول: شقق الله ورد الخدود وقطع قدود الحسان قدودًا، فإني قد لقيت منها بلاءً وجهدًا، وقاسيت منها مشقة، ويدل عليه قوله فهن أسلن دما مقلتي ومثله لجميل:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغر من أنيابها بالقوادح
فهن أسلن دمًا مقلتي ... وعذبن قلبي بطول الصدود
يقول: هن أسلن من مقلتي دمًا؛ من بكائي عليهن، وعذبن قلبي بطول إعراضهن عني. وروى مهجتي أي قتلنني وسفكن دمي.
وكم للهوى من فتىً مدنفٍ ... وكم للنوى من قتيلٍ شهيد
المدنف: الذي طال مرضه. يعتذر من قوله فهن أسلن دمًا.
فيقول: ما أنا بأول عاشقٍ قتل شهيدًا، فكم للهوى من فتىً قد دنف وصار إلى شرف الموت، وكم للنوى من قتيلٍ شهيدٍ مثلي، قد قتله الحب، كما قتلني شهيدًاز
فواحسرتا ما أمر الفراق ... وأعلق نيرانه بالكبود
يقول: واحسرتا على نفسي من مفارقة الأحباب، فما أمر الفراق وأشد مرارته! وما أشد علق نيران الفراق بالكبود! وجمع الكبود ذهابًا إلى العموم، فكأنه قال: ما أعلق نيرانه بكبود العشاق. وروى: وأحرق نيرانه بالكبود.
وأغرى الصبابة بالعاشقين ... وأقتلها للمحب العميد!
قوله وأغرى: تعجب من غرى بالشيء إذا ولع به. والصبابة: رقة الهوى. والعميد: المصاب عمود قلبه.
يقول: ما أولع الصبابة والشوق بالعشاق، وما أقتلها للمحب المصاب قلبه! يتعجب من ولع الهوى وقتله للعشاق.
وألهج نفسي لغير الخنا ... بحب ذوات اللمى والنهود
ألهج: أي أعرض، وأولع. واللمى: حمرة الشفة تضرب إلى السواد. والنهود: نتوء الثدي.
يقول: ما أولع نفسي بحب النساء، لمى الشفاة، نواهد الثدي، الموصوفات بالحسن والجمال، لا الخنا: الذي هو داعية الزنا، لكن لأجل النظر فقط.
فكانت وكن فداء الأمير ... ولا زال من نعمةٍ في مزيد
أي كانت نفسي المذكورة، وذات اللمى والنهود فداء الأمير الممدوح. على وجه الدعاء، ثم ذكر دعاءً آخر فقال: ولا زال الأمير من الله تعالى في زيادة تامة من النعمة.
لقد حال بالسيف دون الوعيد ... وحالت عطاياه دون الوعود
الوعود: جمع الوعد، وهو مصدر وعد. فيكون بمعنى: الوعد.
يقول: حال الأمير بسيفه دون الوعيد، فيقتل قبل أن يوعد، وحالت عطاياه دون الوعد؛ فيعطي قبل أن تعد. فالأول: يدل على فضل قوته، والثاني: على فضل سخائه وجوده.
فأنجم أمواله في النحوس ... وأنجم سؤاله في السعود
أنجم أمواله منحوسةٌ لتفريقه إياها، وأنجم سؤاله مسعودة لاستغنائهم بما يبذله لهم من الأموال ويفرقه بينهم.
ولو لم أخف غير أعدائه ... عليه لبشرته باللود
يقول: لو كان الخوف على الممدوح من أعدائه وحدهم، لكنت في أمنٍ دونهم، فبشرته بدوام الحياة غير إنما أخاف عليه من غير أعدائه، وهو الله تعالى، ذو القضاء المبرم في جميع الناس. والغرض هو الاستخفاف بأعدائه. وروى: عين أعدائه يعني: أن يصيبوه بعيونهم السيئة.
رمى حلبًا بنواصي الخيول ... وسمر يرقن دمًا في الصعيد
الصعيد: التراب الخالص. وقيل: هو ظاهر الأرض.
يقول: رمى حلبًا بوجوه خيله، لما حاربها برماح له، تريق دماء أعدائه في الصعيد: أي التراب.
وبيضٍ مسافرةٍ ما يقم ... ن لا في الرقاب ولا في الغمود
يقول: رماها بسيوفٍ مسافرةٍ، غير مستقرة في رقاب الأعداء ولا في غمودها؛ لأنها تتقدم من رقاب إلى رقاب، ومن قتيل إلى قتيل، فليس لها قرار؛ لكثرة ما تستعمل في الضرب فكأنها مسافرة غير مقيمة في غمد أو عنق.
يقدن الفناء غداة اللقاء ... إلى كل جيشٍ كثير العديد
يقدن: فعل السيوف التي لا تقيم في غمد، أو عنق. يقول: يقدن أي يسقن الفناء غداة اللقاء للحرب، إلى كل جيش كثير العدد؛ فهذا فعلهن وسفرهن.
فولى بأشياعه الخرشني ... كشاءٍ أحس بزأر الأسود
الخرشني: هو والي حلب، وخرشنة. هو الحصن في بلاد الروم.
يقول: ولي الخرشني الذي حاربه الأمير بأصحابه وأشياعه، كانهزام الشاة عند ما تحس بصوت الأسد.
1 / 45