هي: ضمير قبل الذكر، والمراد به الخصلة، أو اللحظة المذكورة من بعد، وروى: وما هو، وأراد الهوى المذكور في البيت الذي قبله. والهاء في قلبه: ترجع إلى من في قوله من داؤه.
يقول: لا يتولد الهوى إلا من نظرةٍ إثر نظرة، فإذا حلت تلك اللحظات المتكررة في القب، رحل العقل وزال بعد نزولها، فلا ينتفع بعد ذلك بالعقل.
جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي ... فأصبح لي عن كل شغلٍ بها شغل
يقول: جرى حب هذه المرأة في جميع بدني، واستولى علي بجملتي وجرى مجرى الدم، أي أنه امتزج بجميع بدني كالدم الجاري فيه، فأصبح لي شغل بها، يشغلني عن كل شغلٍ هو سواه، وقيل معناه: أن هواها ذللني حتى عنها من شدة تأثيره في روحي وعقلي وبدني.
هذا وروى: فأصبح عن غير شغلي بها شغل.
ومن جسدي لم يترك السقم شعرةً ... فما فوقها إلا وفيها له فعل
فما فوقها: يجوز أن يكون في العظم وفي الشعر، والهاء في فيها: للشعرة وروى: فيه وأراد به: الجسم. وفي له للسقم.
يقول: لم يترك السقم من جسدي شعرة وما فوقها، في الصغر أو العظم، إلا وفيها للسقم تأثير وفعل، وتأثيره في الشعرة؛ لأن تحت كل شعرة منفذ إلى البدن، فيريد أن الحب وصل إلى كل مكان من جسده، وفعل السقم في الشعر: الشيب. وقيل: أراد بالشعرة: أقل شيء من جسده.
إذا عذلوا فيها أجبت بأنةٍ ... حبيبتا قلبي فؤادي هيا جمل
روى: بأنةٍ، ورنة: وهما واحد. وحبيتا: الألف فيه بدل من الياء، وأصله: حبيبتي على إضافة إلى الياء، إلا أنه أبدلها ألفًا، تخفيفًا. كقوله تعالى: " يا حسرتي على ما فرطت " والحبيبة تصغير الحبيبة. وأراد به: التخصيص لا التحقير. وقوله: قلبي أي: يا قلبي. وهو بدل من حبيبتا، وفؤادي بدل: من قلبي. وذلك نداء بعد نداء، وجميعها منصوب بالنداء المضاف. وهيا: حرف النداء. وجمل: اسم المرأة. وهو مبني على الضم بالنداء المفرد.
يقول: إذ لاموني في حبها، كان مكان جوابي لهم بأنةٍ حكايتها: يا حبيبتي يا قلبي، يا فؤادي، يا جمل، وفيه تنبيه على أن الحبيب ينزل منزلة القلب، فلهذا، بين جواب العذال: أنها والقلب واحد. وقيل: تقديره يا حبيبتا قلبي أدركيني، فإني أشتكي قلبي ولا أبالي بملامة من يلومني فيها، ولا ألتفت إليه.
كأن رقيبًا منك سد مسامعي ... عن العذل حتى ليس يدخلها عذل
الهاء في يدخلها: للمسامع، وهو جمع مسمع وهي الأذن.
يقول: كأنك قد وكلت بي رقيبًا منك يراقبني، من أن ألتفت إلى اللوام، فكأنه سد أذني عن دخول العذل فيها، فلا أسمع ما يقولون من هجرانك، والتسلي عنك، ومثله قول الآخر:
كأن رقيبًا منك يرعى خواطري ... وآخر يرعى ناظري ولساني
ويجوز أن يريد: كأن الرقيب الذي يحفظك عني سد أذني عن سمع العذل فيك، حسدًا منه على جريان ذكرك في سمعي؛ ذلك أني كنت بعد اللذة في سماع ذكره، كما قال أبو الشيص:
أجد الملامة في هواك لذيذةً ... حبًا لذكرك فليلمني اللوم
كأن سهاد العين يعشق مقلتي ... فبينهما في كل هجرٍ لنا وصل
يقول: كان السهر بالليل يعشق عيني، فبين الأرق والعين وصلٌ عند كل هجر لنا، يعني: أن الأرق لا يجد الوصال إلا عند هجران الحبيب.
أحب التي في البدر منها مشابهٌ ... وأشكو إلى من لا يصاب له شكل
فضل المحبوبة على البدر، فقال: أحب التي في البدر منها مشابهٌ: وهو جمع شبه، على غير القياس. فجعل منها شبهٌ في البدر، ولم يشبهها البدر بكليته ثم فضل الممدوح على المحبوبة. فقال: وأشكو إلى من لا يصاب له شكل: أي مثل فجعل في البدر منها شبهها، وجعل الممدوح بلا شبه.
إلى واحد الدنيا إلى ابن محمدٍ ... شجاع الذي لله ثم له الفضل
حذف التنوين من شجاعٍ: طلبًا للتخفيف بسكونه، وسكون اللام من الذي.
يقول: أشكو إلى من هو واحد أهل الدنيا الذي لله تعالى الفض ثم له.
إلى الثمر الحلو الذي طيىءٌ له ... فروعٌ وقحطان بن هودٍ لها أصل
1 / 38