يقول: إن هذه السيوف تركن هام هؤلاء القوم لما قطعن رءوسهم، عليها المغافر على رءوس بلا أجساد، وكانت الرءوس ملقاة على الأرض وعلى هاماتها المغافر، وعبر عن الأشخاص بالناس.
فخاض بالسيف بحر الموت خلفهم ... وكان منه إلى الكعبين زاخره
زخر البحر: إذا ارتفع موجه.
يقول: خاض هذا الممدوح بسيفه خلف هؤلاء القوم، بحر الموت: يعني موضع القتال. واستحقر ذلك وإن كان عظيمًا، حتى صار زاخر ذلك البحر ومتلاطمه من هذا الممدوح إلى الكعبين، يصف بذلك قلة مبالاته بالأمور العظام.
حتى انتهى الفرس الجاري وما وقعت ... في الأرض من جيف القتلى حوافره
روى: انتهى، وانثنى.
يقول: من قتل منهم صار بحيث أن الفرس الجاري لم يضع وقت جريه حوافره إلا على جيف القتلى، ولا تقع حوافره على الأرض من كثرة القتلى.
كم من دمٍ رويت منه أسنته ... ومهجةٍ ولغت فيها بواتره
أصل الولغ: شرب السباع الماء بألسنتها، ثم كثر فصار اسمًا للشرب مطلقًا.
يقول: كم من دمٍ رويت منه أسنة الممدوح، وكم من نفس دخلت فيها سيوفه القواطع، وشربت منها حتى رويت، يعني أنه سفك دماء أعدائه فلم يبق له عدوًا إلا قتله.
وحائنٍ لعبت سمر الرماح به ... فالعيش هاجره والنسر زائره
الحائن: الهالك. والهاءات: راجعة إليه.
يقول: كم من هالك لعبت به الرماح السمر فأهلكته، حتى هجره العيش، فزاره النسر لأكل لحمه.
من قال: لست بخير الناس كلهم ... فجهله بك عند الناس عاذره
عاذره: أي قابل عذره.
يقول: من لم يقل: خير الناس أنت، فهو جاهل، والجاهل إذا قال محالًا لجهله، فإن جهله يعذره عند الناس أجمعين.
أوشك أنك فردٌ في زمانهم ... بلا نظيرٍ ففي روحي أخاطره
أخاطره: أراهنه.
يقول: من شك أنك فردٌ: لا نظير لك، فإني أراهنه وأشارطه بروحي وروحه، فحذف للدلالة، وإنما راهنه بروحه لفرط يقينه، أنه لا نظير له، فعلم أنه يفوز بالظفر، ويظفر بالخطر؛ لأن الروح أعز الأشياء
يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به مما أحاذره
اعوذ، وألوذ: متقاربان في المعنى.
يقول: يا من ألتجىء إليه في آمالي، ويا من أعتصم به مما أخشاه وأحذره من المكاره.
ومن توهمت أن البحر راحته ... جودًا وأن عطاياه جواهره
الهاء في جواهره: للبحر.
يقول: يا من خلت أن راحته هي البحر وأن عطاياه هي جواهر البحر التي تخرج منه؛ لأن الجواهر لا تكون إلا من البحر.
ارحم شباب فتىً أودت بجدته ... يد البلى وذوي في السجن ناضره
الهاءات: كلها للفتى.
يقول: ارحم شباب فتىً أهلكت البلى جدته، فأخلقته، وذبل في السجن ما كان ناضرًا منه
لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره ... ولا يهيضون عظمًا أنت جابره
لا يهيضون: أي لا يكسرون ما تجبره أنت، ولا تجبر الناس ما تكسره أنت، يعني: أنهم لا يقدرون على رد أمرك ومثله قول الآخر:
لا يجبر الناس عظم ما كسروا ... ولا يهيضون عظم ما جبروا
وقال أيضًا يمدح شجاع بن محمد بن عبد العزيز بن الرضا المضاء الطائي المنبجي:
عزيزٌ أسى من داؤه الحدق النجل ... عياءٌ به مات المحبون من قبل
الأسى: جمع أسوة، وهي الصبر. والأسا: مصدر أسوت الجرح أسوًا وأسيًا.
يقول: عزيز: أي قليل الوجود صبر من داؤه، أو مداواة من داؤه الحدق الواسعة، وهو داء عياء. ثم قال: به أي بهذا الداء. مات المحبون من قبل. ويجوز أن يكون المراد بالأسى الحزن، وعزيز: أي شديد صعب، يخشى عليه. وعزيزٌ: مرفوع بالابتداء وأسى خبره، وجاز البتدا بالنكرة لأنه في تقدير فعل، كأنه يقول: عزيز أسى، وداء عياء خبر ابتداء محذوف كأنه قال: وهو داء عياء.
فمن شاء فلينظر إلي فمنظري ... نذيرٌ إلى من ظن أن الهوى سهل
المنظر: موقع النظر عليه.
يقول: من أراد أن يجرب هذا الداء فلينظر إلي، ليبصر نحول جسمي فإن منظري، أو حالي نذير ومخوف لمن ظن أن العشق هين، وأن الحب يمكن الخروج منه، والمقصد تعظيم أمر الهوى وقلة المداوة منه.
وما هي إلا لحظةٌ بعد لحظةٍ ... إذا نزلت في قلبه رحل العقل
1 / 37