يقول: دخلت حمصًا والشمس طالعة وشعاعها متقد وكأن نور وجهك بين العساكر غالبًا لشعاع الشمس، والغرض به تفضيله على الشمس في الحسن والبهاء.
في فيلقٍ من حديدٍ لو قذفت به ... صرف الزمان لما دارت دوائره
الفيلق: العسكر؛ لأنه يفلق كل شيء أتى عليه يقول: دخلتها بجيشٍ من حديد؛ لكثرة ما عليهم من الحديد، لو رميت به صرف الدهر مع أنه لا يطيقه أحدٌ لما دارت دوائر صرف الزمان، ولا نفذت أحكامه.
تمضي المواكب والأبصار شاخصةٌ ... منها إلى الملك الميمون طائره
المواكب: جمع المواكب، وهو الجماعة من الناس، والمراد ها هنا الجيش. والهاء في منها: للكواكب وفي طائره. للملك.
يقول: تسير الجماعات والأبصار شاخصة من بينها إلى الملك الميمون طائره دون غيره ممن معه من الجيش، وذلك لما له من الفضل والبهاء.
قد حرن في بشرٍ في تاجه قمرٌ ... في درعه أسدٌ تدمى أظافره
حزن: فعل الأبصار، والبشر: اسم يقع على الواحد وما فوقه من الناس، وأراد هاهنا الممدوح، والأظافر: جمع، وأصلها الأظافير فحذف الياء، وهو جمع أظفور بمعنى الظفر، أو جمع أظفار، فهي إذًا جمع الجمع لأن أظفارًا: جمع ظفر.
يقول: تحيرت الأبصار في بشرٍ في تاجه قمرٌ، وهو وجهه، وفي درعه أسد، أي أنه شجاع، كأنه أسد، تدمى أظافيره بدماء الصيد. شبه وجهه بالقمر، ونفسه بالأسد، ومثله قول مسلم.
كأن في سرجه بدرًا وضرغامًا
حلوٍ حلائقه شوسٍ حقائقه ... تحصي الحصى قبل أن تحصي مآثره
الشوس: جمع أشوس. وشوسًا، وهو الذي تصغر عينيه للنظر، ويضم أجفانه، وذلك فعل المبغض والعدو، والحقائق: جمع الحقيقة وهي ما يحق على الإنسان حفظه والذب عنه. والمآثر: جمع المأثرة، وهي ما يؤثر من فضل الإنسان.
يقول: تحيرت الأبصار في بشرٍ خلائقه عذبة، وحقائقه محفوظة مرعية، ومآثره غير متناهية كثرة، بحيث يمكن إحصاء الحصا كلها، ولا يمكن إحصاء مآثره وعد محاسنه ومكارم أخلاقه وأفعاله.
تضيق عن جيشه الدنيا ولو رحبت ... كصدره لم تبن فيها عساكره
يقول: إن الدنيا مع سعتها تضيق عن جيش الممدوح لكثرته، ولو اتسعت الدنيا اتساع صدره، فكانت عساكره مع كثرتها لا تظهر فيها لسعة صدره، وهو كقول أبي تمام:
ورحب صدرٍ لو ان الأرض واسعةٌ ... كوسعه لم يضق عن أهله بلد
إذا تغلغل فكر المرء في طرفٍ ... من مجده غرقت فيه خواطره
التغلغل: الدخول في المضيق. والهاء في مجده: للممدوح، وفي فيه: لطرف وفي خواطره: للمرء.
يقول: إذا دخل فكر المرء في طرف من مجده، غرقت جوامع خواطره فيه، لعظمه ووفور مجده وشرفه، فإذا كان طرف منه بهذه الصفة، فكيف يتصور إحاطة الفكر بجميع مجده وشرفه؟!
تحمى السيوف على أعدائه معه ... كأنهن بنوه أو عشائره
تحمى: من الحمية والغضب.
يقول: إن السيوف إذا كانت في يده وأيدي أوليائه، لفضل مضائه، كأنه تحمى وتغضب على أعدائه معه، حتى كأن السيوف بنوه أو أقاربه؛ لأنها تغضب لغضبه، ومثله لأبي تمام:
كأنها وهي في الأوداج والغةٌ ... وفي الكلى تجد الغيظ الذي تجد
إلا أن بيت المتنبي أبلغ؛ لذكره المناسبة والقرابة.
إذا انتضاها لحربٍ لم تدع جسدًا ... إلا وباطنه للعين ظاهره
الهاء في باطنه وظاهره: للجسد.
يقول: إن الممدوح إذا انتضى تلك السيوف من أغمادها عند الحرب، لم يترك من أعدائه جسدًا إلا جعله إربًا إربًا، حتى تبدوا بواطن أجسادهم، أو يشق بطنه فتظهر منه الآلات الباطنة، أو يريق دمه الذي في باطن الجسد، فيظهر عند ما يسيل، فيصير في هذه الحالات باطن الجسد للعين ظاهرًا.
فقد تيقن أن الحق في يده ... وقد وثقن بأن الله ناصره
يقول: إن السيوف تيقن أن الحق في يده، لما ازدادت قوة يده، وأيدي أوليائه، وقد وثقن بأن الله ينصره على أعدائه؛ فلهذا صرن مثل بنيه وعشائره في الحمية. ومثل قول النابغة:
جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب
تركن هام بني عوفٍ وثعلبةٍ ... على رءوسٍ بلا ناسٍ مغافره
الهاء في مغافره: للهام.
1 / 36