غير: يجوز بالرفع على أن يكون صفة لضيف، وبالنصب على الحال من ضمير الضيف، ومحتشم: أي منقبض مستحي. واللمم: جمع اللمة من الشعر.
يصف الشيب ويقول: إنه ضيفٌ نزل برأسي، وإن لم يكن نزوله نزول الضيف في الاحتشام والاستحياء، لأنه لم يستأذنني كاستئذان الضيف، ثم يقول: إن السيف أحسن فعلًا بالرأس، من الشيب باللمم. وهو من قول البحتري.
وددت بياض السيف يوم لقينني ... مكان بياض الشيب حل بمفرقي
ابعد بعدت بياضًا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم
ابعد: أمر من بعد يبعد إذا هلك وذل. وبعدت: دعاء على الشيب. وبياضًا: نصب على التمييز. وقوله: لا بياض له: أي لا نور له، ولا بياض في الحقيقة، وإن كان من حيث الصورة بياضًا، ويجوز أن يكون أيضًا دعاء على الشيب، وكأنه أراد لا رزق خيرًا، والأولى نورًا، وإنما قال: لا بياض له لأنه يورث ظلمة البصر، وتغير اللون، ويفرق بين الإنسان وبين الملاذ، وينذر بالزوال ويؤذن بالضعف والهزال، وقوله: لأنت أسود إن أراد أنه أنت أشد سوادًا ففيه شذوذ، لأن الألوان لا يبنى منها أفعل التفضيل. بل يقال: أشد سوادًا، فعلى هذا معناه أنت في عيني أشد سوادًا من الظلمات، وإن لم يرد معنى المبالغة، فيكون تقديره لا أنت في عيني مع بياضك أسود من جملة الظلم السود. فكأنه يقول أنت في عيني كائن من الظلم، ومثله قول أبي تمام الطائي:
له منظر في العين أبيض ناصعٌ ... ولكنه في القلب أسود أسفع
بحب قاتلتي والشيب تعذيبي ... هواي طفلًا وشيبي بالغ الحلم
تعذيبي: مبتدأ وبحب قاتلتي خبر مقدم عليه وهواي مبتدأ وكذلك شيبي وطفلًا وبالغ نصب على الحال، وهي في موضع الخبر للابتداء، وقائم مقامه.
يقول: تعذيبي بشيبي حب قاتلتي والشيب. ثم بين وقت كل واحد منهما. فقال: هواي طفلًا وشيبي بالغ الحلم يعني: هويت وأنا طفلٌ، وشبت وأنا بالغ الحلم.
ولما بين أنه عشق طفلًا، وشاب وقت الحلم جعل الحب والشيب عذابًا، وغرضه بذلك حصولهما قبل وقتهما.
فما أمر برسمٍ لا أسائله ... ولا بذات خمارٍ لا تريق دمي
يقول: مررت بصيغة لا أمر. برسم: من رسوم ديار المحبوبة، إلا وأنا أسائله عنها، أو لا أمر برسم دارٍ إلا يذكرني رسم دارها فأسائله، ولا أمر بذات خمار من النساء إلا تذكرني محبوبتي، فيريق دمي بعيني. يعني إنها تبكيني فيجري من عيني الدم، فضلًا عن الدمع! أو يريد: إنها تقتلني وتريق دمي. على مجاز الشعراء. وقيل: إنه أراد بذلك أن قلبه يتقلب، ويتعلق بكل امرأة حتى لا يملك كفه ودفعه.
تنفست عن وفاءٍ غير منصدعٍ ... يوم الرحيل وشعبٍ غير ملتئم
وروى: تبسمت، والشعب: القلب.
يقول: إن هذه المرأة تنفست الصعداء أسفًا على فراقي، وكان تنفسها عن وفاءٍ غير مفترق وعن شعبٍ متفرق، غير ملتئم، يعني أنها كانت على الوفاء مع تفرق الشمل.
قبلتها ودموعي مزج أدمعها ... وقبلتني على خوفٍ فمًا لفم
مزج: بمعنى المزاج. وفمًا: نصب على الحال.
يقول قبلتها عند الوداع في حال عناقي لها، وكانت الدموع ممتزجة، وقبلتني هي أيضًا، خوفًا من الرقباء أو خوف الفراق، في حال تقبيله إياها في الفم، أي في حال التصاق الفم بالفم.
فذقت ماء حياةٍ من مقبلها ... لو صاب تربًا لأحيا سالف الأمم
أراد بماء الحياة: ريقها.
يقول: ذقت من مقبل هذه المرأة ماء الحياة، فحييت، وكنت قد مت قبل ذلك، ولا تعجب من حياتي به فإنه لو صاب سالف الأمم لأحياها فضلًا عن إحيائه إياي! ويجوز أن يكون صاب: من قولك صاب المطر إذا نزل، ويكون تقديره: لو صاب على ترب إلا أنه حذف على وأوصل الفعل إليه ومثله للمجنون.
لو أن رضاب ليلى صاب ميتًا ... لأحياه وعاش إلى القيامة
ترنو إلي بعين الظبي مجهشةً ... وتمسح الطل فوق الورد بالعنم
ترنو: أي تنظر نظرًا شديدًا، والمجهشة: المتهيئة للبكاء. والعنم: قيل: إنه دودة حمراء تكون في الرمل، تشبه بها البنان، وقيل: نبت. وقيل: نوع من الثمار مخروط أشبه الأشياء بالبنان اللينة المخضبة، وقيل: شجر لين الأغصان. وقيل: شيء يخرج من الشجر كالثمار. وشبه أربعة أشياء: عينها: بعين الظبي، ودمعها: بالطل، وخدها: بالورد، وأصابعها: بالعنم، ونظيره قول الشاعر:
1 / 30