قالت وقد راعها بيني أمرتحلٌ ... عنا؟ فقلت: غدًا أولا فبعد غد
فأرست لؤلؤًا من نرجس وسقت ... وردًا وعضت على العناب بالبرد
رويد حكمك فينا غير منصفةٍ ... بالناس كلهم أفديك من حكم
رويد: اسم بمعنى فعل الأمر. ونصب حكمك برويد، وغير منصوب على الحال، أو على النداء.
يقول: ارفقي وكفي عنا حكمك يا غير منصفة، يعني: يا ظالمة. أفديك من جميع الناس من حكم بين الحكام.
أبديت مثل الذي أبديت من جزعٍ ... ولم تجنى الذي أجننت من ألم
يقول: أظهرت من الجزع مثل ما أظهرت، ولكنك لم تضمري من حبي مثل ما أضمرت. ينسبها إلى النفاق في حبها له.
إذًا لبزك ثوب الحسن أصغره ... وصرت مثلي في ثوبين من سقم
بزك: أي سلبك. والهاء في أصغره: ترجع إلى الجزع، وإلى الذي في قوله: ولم تجنى الذي أجننت. وإلى قوله: من ألم.
يقول: لو كان بك ألمٌ مثل ما بي، يسلبك أصغره ثوب الحسن وصرت في ثوبين من السقم. فجعل للحسن والسقم ثوبًا.
ووجه التثنية، وهي أنه قد يعبر عن الواحد بالتثنية وإن لم يرد به حقيقة التثنية، ويحتمل أن يريد بذلك أنه يورث بها ضعف ما به من السقم، فعبر عنه بالثوبين. ويجوز: أن يكون أراد بالتثنية أن أصغر ما به يورث لها سقمين: ظاهرًا وباطنًا، وقيل: إن غرضه بذلك أنك صرت مثلي في إزارٍ ورداءٍ من السقم؛ لأن لباس العرب إزار ورداء. بمعنى: أن الإزار والرداء تمام لباس البدن. فكذلك ما يحصل له من السقم بأصغر ما نال من الوجد تمام ألم البدن.
ليس التعلل بالآمال من أربي ... ولا القناعة بالإقلال من شيمي
وروى: ولا القنوع بضنك العيش من شيمي. والقناعة أولى؛ لأن القنوع في السؤال الأكثر.
يقول: ليس التعلل بالأماني دون الوصول إلى البغية من حاجتي، وكذلك: ليس القناعة بالفقر وضنك العيش من عادتي، ولكني أطلب المعالي والمفاخر.
وما أظن بنات الدهر تتركني ... حتى تسد عليها طرقها هممي
بنات الدهر: حوادثه. وهممي فاعل تسد، وطرقها مفعوله.
يقول: لست أحسب أن حوادث الزمان تتركني حتى أبلغ ما أريد بلوغه، حتى تسد على تلك الحوادث طرقها هممي وتمنعها من الوصول إلي والوقوف بي.
لم الليالي التي أخنت على جدتي ... برقة الحال واعذرني ولا تلم
أخنت: أي أهلكت. على جدتي: أي على غناي. ورقة الحال: ضعف الحال.
يقول: يا من يلومني على ضعف حالي ورثاثة الهيئة، لم حوادث الليالي التي أهلكت غناي، واعذرني فلا لوم علي إذ لا ذنب لي.
وقيل: إن سائلًا تعرض لعطائه. فقال له: لم الليالي التي فعلت بي ذلك وأفقرتني، واقبل عذري في ردك ولا تلمني؛ لأن فقري واختلالي ليس من قبلي.
أرى أناسًا ومحصولي على غنمٍ ... وذكر جودٍ ومحصولي على الكلم
محصولي: أي حصولي.
يقول: أرى أشباحًا في صور الناس، وهم في الحقيقة كالغنم؛ لبعدهم من المروءة، وأرى ذكر جودٍ فيما بين الناس الذين هم كالغنم، وحصولي من ذلك على كلمٍ. يعني: أن الذي حصل من جودهم الحكاية، دون حقيقة الجود.
ورب مالٍ فقيرًا من مروءته ... لم يثر منها كما أثرى من العدم
يقول: وأرى صاحب مال، فقيرًا من المروءة والإنسانية، لم يثر منه أي حظ من نفسه، ولم يستوف حظها من الإنسانية والمروءة، كما أثرى من العدم: أي الفقر. والهاء في منه: لرب المال، ورب فقير من المال، يستوفي حظ نفسه ويجود بقدر طاقته. وروى: ورب مال فقيرٍ من مروته. أي: ورب إنسان كثير المال. يقال: رجلٌ مالٌ، ومائل: إذا كان كثير المال، وفقير صفة له، والرواية الأولى أشهر من الثانية.
سيصحب النصل مني مثل مضربه ... وينجلي خبري عن صمة الصمم
يقول على سبيل الإيعاد: إن السيف يستصحب من نفسه مثلي حده مضاء، وينكشف خبري عن شجاع الشجعان، أو أسد الأسود.
لقد تصبرت حتى لات مصطبرٍ ... فالآن أقحم حتى لات مقتحم
لات: بمعنى لا، ويجوز في مصطبرٌ: الجر. لأن من العرب من يجر بلات. ويجوز: أن يرفع. كما يرفع بلا.
يقول: قد صبرت حتى لم يبق موضع صبر، أو لم يبق اصطبار، فلم ينفعني ذلك، فالآن أدخل نفسي في العظائم، حتى لا يبقى موضع اقتحام، أو حتى لا يبقى لي اقتحام.
لأتركن وجوه الخيل ساهمةً ... والحرب أقوم من ساقٍ على قدم
1 / 31