يقول: إن المرء يؤمل الأمل الطويل، والحياة شهيةٌ، والشيب وقورٌ، والشباب نزقٌ، فيكون. أفعل بمعنى الفاعل، لا بمعنى المبالغة. وأراد صاحب الشيب وصاحب الشيبة؛ وقيل: أراد به أفعل للمبالغة.
فيقول: إن الشيب أوقر من الشبيبة، والشبيبة أنزق من الشيب؛ وذلك لأن الشيخ قد يستعمل الوقار في بعض الأحوال، غير أن الغالب منه النزق، فلهذا المعنى استعمل فيه لفظ أفعل.
ولقد بكيت على الشباب ولمتي ... مسودةٌ ولماء وجهي رونق
يقول: بكيت على فراق الشباب قبل نزول المشيب بي، وعند ما كان شعر رأسي أسود، ولماء وجهي رونق، وذلك لعلمي بزواله، وحذري من فراقه.
حذارًا عليه قبل يوم فراقه ... حتى لكدت بماء جفني أشرق
حذارًا عليه: أي على فراق الشباب. وروى: بدمع عيني أغرق. ونصب حذرًا لأنه مفعول له.
يقول: بكيت على الشباب قبل زواله حذرًا من فراقه، حتى كدت أشرق بماء جفني، أي أغص به. وأراد به الهلاك؛ ولهذا جعل بدله أغرق.
أما بنو أوس بن معن بن الرضا ... فأعز من تحدى إليه الأينق
يقول: هؤلاء الممدوحون هم أعز من تحدى إليهم الإبل، ويقصد إليهم؛ لطلب المال، والجاه، لسخائهم.
كبرت حول ديارهم لما بدت ... منها الشموس وليس فيها المشرق
يقول: إن ديارهم ليست في نواحي المشرق، ولكنها في نواحي المغرب، فلما رأيت صورهم الحسان بمنزلة الشموس مع أن المعهود من الشمس أنها تطلع من جهة المشرق كبرت لتعجبي من ذلك؛ فإني رأيت الشمس في غير جهة المشرق!
وعجبت من أرض سحاب أكفهم ... من فوقها وصخورها لا تورق
يقول: عجبت من صخور هذه الأرض، التي هي مقرهم، كيف لا تورق؟ وفوقها تمطر سحائب أكفهم؛ يصفهم بالسخاء.
وتفوح من طيب الثناء روائحٌ ... لهم بكل مكانةٍ تستنشق
المكان: والمكانة واحد. والاستنشاق: طلب الرائحة بالشم.
يقول: إن هؤلاء القوم تفوح لهم من طيب ما يثني عليهم روائح طيبة! تصل إلى كل مكان، ويشمها كل إنسان، فيقصد الناس إليهم من كل جانب لطلب معروفهم وكرمهم.
مسكية النفحات إلا أنها ... وحشيةٌ بسواهم لا تعبق
النفحات: جمع نفحة. وهي أول هبوب الريح.
يقول: روائح ثنائهم مسكية النفحات، يفوح منها ما يفوح من المسك، إلا أنها نافرة من غيرهم ولا تعبق بسواهم؛ يصفهم باختصاص الثناء بهم وأنه لا يستحقه سواهم.
أمريد مثل محمدٍ في عصرنا ... لا تبلنا بطلاب ما لا يلحق
لا تبلنا: أي لا تجربنا. وروى: لا تبلنا: لا توقعنا في البلوى، لطلاب ما لا يلحق.
يقول: يا من يريد أن يكون مثل محمدٍ الممدوح لا تجربنا بطلب ما لا يلحق، ولا يوجد. يعني أنه لا نظير له، فطلب مثله أمر محال.
لم يخلق الرحمن مثل محمدٍ ... أحدًا وظني أنه لا يخلق
يقول: لم يخلق الله تعالى مثله أحدًا فيما مضى، ويقيني أنه لا يخلق في المستقبل؛ إذ الأمور الآتية معتبرة بالماضية. وهذا كذب ظاهر.
يا ذا الذي يهب الكثير وعنده ... أني عليه بأخذه أتصدق
وروى: يهب الجزيل. وأتصدق: أعطي الصدقة.
يقول: يا من هو يعطي العطاء الجزيل ويرى أني متصدق عليه بأخذي منه، وذلك لسروره بما يعطيه لي. ونظيره:
تراه إذا ما جئته متهللًا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
أمطر علي سحاب جودك ثرةً ... وانظر إلي برحمةٍ لا أغرق
يقول: أمطر على سحاب عطائك وسخائك غزيرة، ثم انظر إلي برحمتك، ولا تجاوز الحد على ما عهدت من حالك، لكي لا أغرق بنيلك.
وقيل: أراد بقوله: كي لا أغرق أي كي لا أعجز عن القيام بشكرك.
كذب ابن فاعلةٍ يقول بجهله: ... مات الكرام وأنت حيٌّ ترزق!
يقول: كذب ابن زانيةٍ، يقول بجهله: إن الكرام ماتوا، وأنت حي ترزق فيما بين الأحياء مع كونك سيد الكرام! وروى: ترزق أي أنت حي تجري على يديك أرزاق الناس، فكيف يصح قوله: إن الذين تجري على أيديهم أرزاق الناس قد ماتوا، وأنت حي ترزقهم! فنسب هذا القائل إلى الكذب، ونسب أمه إلى الزنا.
وقال أيضًا في صباه يمدح علي بن أحمد الخراساني
حشاشة نفسٍ ودعت يوم ودعوا ... فلم أدر أي الظاعنين أشبع؟
1 / 24