جهد الصبابة أن تكون كما أرى ... عينٌ مسهدةٌ وقلبٌ يخفق
وروى: كما يرى.
يقول جهد الصبابة هو الذي أراه من عينٍ مسهدةٍ، وقلبٍ خافق خوف الهجر.
ما لاح برقٌ أو ترنم طائرٌ ... إلا انثنيت ولي فؤادٌ شيق
وروى: ما لاح نجمٌ. والترنم: شبيه الغناء، وانثنيت: أي انعطفت.
يقول: لم يلمع برق أو نجم ولم يترنم طائر، يدعو إلفه إلا انعطفت ورجعت إلى نفسي، وأنا مشتاق، مهيج القلب لذكر المحبوبة. وتشويقه لمعان البرق على معنيين: أحدهما أنه يذكره ثغرها المضيء، والثاني أنه يلمع من جانب المحبوبة وناحيتها، فشوقه لهذا الوجه.
جربت من نار الهوى ما تنطفي ... نار الغضا وتكل عما تحرق
أي تحرق هذه النار. وتنطفي: لغة ضعيفة. لقولهم: طفيت النار وأطفيتها، وما بمعنى الذي. والغضا: شجر يوصف بقوة التوقد.
يقول: جربت من نار الهوى نارًا تطفأ عندها نار الغضا مع شدتها وتكل أيضًا نار الغضا عما تحرقه نار الهوى. وقيل: إن ما للنفي وقدر فيه تقديران: أحدهما: أن يكون تقديره: جربت من نار الهوى كنار الغضا ما تنطفي وما تكل، ومعناه: ما تنطفىء نار الهوى وما تكل عن الإحراق، بمرة فتريحني.
وقوله: نار الغضا تشبيه يعني كنار الغضا في شدة توقدها.
والثاني: أن يكون تكل فعل الغضا والواو زائدة أو منقولة إلى نار الغضا، ومعناه: جربت من نار الهوى نارًا ما تنطفىء، ونار الغضا تكل عما تحرقه هذه النار.
وعذلت أهل العشق حتى ذقته ... فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟!
يقول: كنت أعذل أهل العشق، لجهلي به، حتى دفعت إلى العشق، فلما ذقته عجبت كيف يموت من لا يدخل العشق قلبه؟! فكأنه يقول: إن أقوى أسباب الموت العشق، وإن من بعد عنه فهو بمعزل عن الموت.
وعذرتهم وعرفت ذنبي أنني ... عيرتهم فلقيت فيه ما لقوا
الهاء في فيه للعشق. والضمير في لقوا لأهل العشق. وكذلك في عذرتهم وعيرتهم.
يقول: لما ذقته عذرت عنده العشاق وعرفت أني مذنب في عيبهم، فلما جربت عليهم في اللوم، لقيت من شدة العشق مثل ما لقوا. ومنه قول الآخر:
عذرت من عيرني في الهوى ... لأنه لم يدر ما شانه
لو ذاقه يومًا درى أنه ... أصعب حزن المرء أحزانه
أبنى أبينا نحن أهل منازلٍ ... أبدًا غراب البين فينا ينعق
يحتمل أن يريد به: يا إخواننا وأهل نسبنا، ويحتمل أن يريد به: يا بني آدم. وغراب البين. قيل المراد به الموت. وينعق: أي يصيح. وهما مرويان.
يقول: يا بني أبينا. نحن أهل منازل يقضي علينا فيها بالموت والفراق، فإن كان اليوم وقع الفراق بيننا، فكذلك يقع في الدنيا بين أهلها؛ أورد ذلك مورد التسلية والوعظ للمخاطبين:
تبكي على الدنيا وما من معشرٍ ... جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
يقول: نبكي على هذه الدنيا وحياتها؛ لعلمنا بفنائها، وما من جمع إلا بددته الدنيا وفرقته؛ فالبكاء على هذا محال.
أين الأكاسرة الجبابرة الأولى ... كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا؟
الأكاسرة: جمع كسرى، وهو ملك العجم. وهو تعريب خسرو، الذي بالفارسية. والجبابرة: جمع الجبار. وهو المتسلط على الناس العاتي.
يقول: أين ملوك العجم وعظماء الدنيا؟ الذين كنزوا الكنوز، فما بقيت كنوزهم ولا بقوا هم.
من كل من ضاق الفضاء بجيشه ... حتى ثوى فحواه لحدٌ ضيق
يقول: من كل ملك ضاق المكان الواسع بجيشه، حتى مات فتوارى، مقيمًا في القبر، وضمه في قبره لحدٌ ضيق.
خرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا ... أن الكلام لهم حلالٌ مطلق
يقول: هؤلاء الملوك ماتوا، وصاروا، كالخرس لا يجيبون إذا نودوا، فكأنهم لم يعلموا: أن الكلام لهم حلال مطلق. لو قدروا عليه.
فالموت آتٍ والنفوس نفائسٌ ... والمستغر بما لديه الأحمق
النفائس: جمع النفيسة، وهي التي يبخل بها لجلالتها والمستغر المحمول على الغرة المخدوع. أو هو طالب الغرور وروى: المستعز بالعين والزاي وهو المتعزز أو طالب العز.
يقول: الموت لا محالة آت والنفوس جليلة خليقة بأن يبخل بها، إلا أن المخدوع والمتعزز بما لديه، مما لا بقاء له هو الأحمق.
والمرء يأمل والحياة شهيةٌ ... والشيب أوقر والشبيبة أنزق
شهية: بمعنى المفعولة، والنزق: الخفة والطيش.
1 / 23